تحركات الصين في هذه المرحلة تدل على حكمة وتوازن عقلاني في نظرة قادتها للنظام العالمي وما ينبغي عمله لاحتواء بعض الأزمات التي أزمت العلاقات الدولية وعطلت وأحبطت أي جهد يمكن أن تقوم به الأمم المتحدة بسبب حق الفيتو في مجلس الأمن الذي تمارسه الدول الخمس الكبرى.
والصين بصفتها لاعب دولي في النظام العالمي لها دور ينطلق من حرصها على الأمن والاستقرار لحماية استمرار نهضتها التنموية الجبارة ومصالحها والحيوية في محيطها الجغرافي وعلاقاتها الدولية التي تعزز تصدير منتجاتها حتى أصبحت منافس حقيقي ليكون اقتصادها في المرتبة الأولى وتزيح الولايات المتحدة واليابان من احتكار القمة في سلم الاقتصاد العالمي، وقد حققت ذلك في فترة وجيزة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وتراجع المد الشيوعي على مستوى العالم واتباع منهج الاقتصاد المختلط بين الراسمالية والاشتراكية، وقد ساعد في ذلك قوتها الإنتاجية والشرائية المحلية بحجم سكانها الكبير المتعطش للانفتاح ورفع مستوى الحياة والرفاهية والدخل الفردي، كل ذلك كان داعمًا قويًا لمكانتها ومصداقيتها على المستوى العالمي وفتح لها فرص الاستثمارات الخارجية في كل قارات العالم بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية المنافس الأول لها اقتصاديًا وعسكريًا وسياسيًا.
رعاية الوساطة بين المملكة العربية السعودية وإيران كانت ضربة معلم وإذا وفت إيران بما تم الاتفاق عليه سيكون وقعها أكبر في الأوساط الدولية.
الخطوة الثانية زيارة الرئيس الصيني لروسيا ومحاولة التوسط لإيقاف الحرب في أوكرانيا لتجنيب العالم كارثة حرب عالمية ثالثة.
الخطوة الثالثة ما تقوم به الصين من وراء الستار لترويض كوريا الشمالية للحيلولة دون التهور في نزاع قد تتداعى آثاره ولن تقتصر الكارثة على جارتين بل إنه يحمل مخاطر واسعة النطاق في آسيا وكل قارات العالم.
في هذه الأمثلة الثلاثة ما يشد الانتباه للحكمة الصينية في السعي في سبيل رأب الصدع وتقريب وجهات النظر ودرء المخاطر التي تهدد العالم بكوارث مدمرة لن ينج منها أحد.
الحوار مع أطراف النزاع قد يذكر الغافلين بمدى تجاهل العواقب وما تقوم به الصين حاليًا إذا أخذ من منظور استشراف مستقبل مشرق بدلًا من الارتهان لسياسة النظرات الضيقة والزوايا المظلمة.إن في اختزال مستقبل ملايين البشر في دولة أو إقليم بعد أن أصبح العالم قرية كونية صغيرة بفضل التطور الذي تحقق من إبداعات الإنسان يجب ألا تطغى السلبيات على الإيجابية فيه والنظرة الشمولية الإيجابية أفضل من عكسها.. وما دام هناك عقل يبقى هناك أمل.. ومن يقول إنه شيء مستحيل عليه ألا يقاطع من يعمل على تحقيقه.. حكمة صينية.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
