قبل بضع سنوات، وفي إحدى زياراتي للقرية، زارني أحد جيراني، وروى لي مشكلة حدثت بين أخوين في موروث زراعي، تسببت في القطيعة بينهما، ورغم الجهود المبذولة في الصلح بينهما، لكن دون جدوى، وطلب مني أن نقوم بزيارة لأخيهما الأكبر في محاولة الصلح بينهما، خاصةً ونحن حينذاك في شهر رمضان المبارك، شهر العفو والتسامح والصلة، فقلت له حسناً.
وفعلاً ذهبنا إليه بعد صلاة التراويح، فرحَّب بنا، وأوكلتُ إلى جاري حديث الصلح، فبدأ بالآيات الداعية إلى صلة الرحم ومحاربة القطيعة، وتلاها بالأحاديث والمواعظ البليغة في ذلك، وبيّن ثواب الصلح، وخاصة في شهر رمضان المبارك، ثم أوضح سبب زيارتنا له، وهي الرغبة في الصلح بينه وبين أخيه ودفن ماضي المشكلة، والبدء في حياة جديدة قوامها التواصل والتراحم والعفو، فوافق؛ ولأن دار أخيه الأصغر ملاصقة لداره، فذهبت أنا وجاري إليه، واستطعنا إقناعه بقبول الصلح فوافق هو الآخر، واصطحبناه معنا لدار أخيه، وجمعنا بينهما في مواجهة حميمية بعد قطيعة دامت طويلاً.
وفرحت أنا وجاري بنجاح مسعانا ونتائجه المثمرة، وعودة الأخوين وأسرتيهما إلى الألفة والتواصل والمحبة.
* خاتمة:
ومما يناسب هذه الحكاية، ما رواه الصحابي الجليل أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (من سره أن يبسط له في رزقه أو ينسأ له في أثره، فليصل رحمه).. صحيح البخاري.
صلة الرحم من أفضل الطاعات التي يتقرب بها العبد إلى ربه عز وجل، وقد أمر الله بها، وحذر من قطعها، وجعل قطعها موجباً للعذاب، ووصلها موجباً للمثوبة، وفي هذا الحديث يخبر -صلى الله عليه وسلم- بفضل صلة الرحم في الدنيا.. والمراد بالأرحام: الأقارب وكل من يربطهم رابط نسب، سواء أكان وارثاً لهم أو غير وارث، وتتأكد الصلة به كلما كان أقرب إليه نسباً.
فيخبر أنه بصلة الأرحام يوسع الله تعالى الأرزاق ويبارك فيها، فمن أحب ذلك فليصل رحمه.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
