Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

كيف تقنع المشاهد؟!

A A
من أهم عوامل نجاح الممثل هو تقمصه للدور الذي يؤديه، بحيث يقنع المشاهد بأنه هو هذا الانسان المبتلى الذي تقع عليه المصائب، أو أنه الشخص اللئيم المحنك الذي يقتل القتيل ويمشي في جنازته.

هذا التقمص لا يأتي إلا بالموهبة أولاً، ثم صقلها بالدراسة، ثم بعد ذلك قدرة الممثل على دراسة الشخصية في أبعادها المختلفة؛ الجسمانية والنفسية، العلمية والاجتماعية، حتى يقتنع المشاهد بأنه يشاهد أحداثاً حقيقية يتفاعل معها وينفعل بها، تحرك عقله ووجدانه، يتعاطف، يذرف دموعه حزناً على مصابها، وما يحدث لها، أو أنه يمتلئ كرهاً من أفعالها وما تحيكه من مؤامرات ومكائد، ربما تصل حد الجرائم، وبين هذا وذاك يبتسم وربما يضحك من قلبه على مفارقات تنبع من الأحداث، لا فبركة ولا حركات جسدية أو استهبال.

عندما كان يشدني مسلسل لمتابعته وانتظاره، يعني أني أعجبت بأداء أبطاله، أو أني أحببتهم حد ملاحقة أعمالهم، هكذا كنَّا نتابع المسلسلات ونذهب إلى السينما، أو نأتي بالفيلم لعرضه على الشاشة الكبيرة أو الصغيرة في المنزل، بعد أن أصبح على شريط فيديو، لارتباطنا بالبطل أو البطلة.

منذ فترة طويلة توقفت عن متابعة المسلسلات العربية، وعندما يتم تحريضي لمتابعة مسلسل مصري أو لبناني، سعودي أو كويتي، أكتشف أني فقدت شغف المتابعة، لأن تلك الأجيال من الممثلين والممثلات الكبار الذين كنت أحرص على متابعة أعمالهم، لم يعد لهم أعمال، بل قد يكونوا غادروا الدنيا وتركوا الساحة براحًا للأجيال الجديدة تؤدي أدوارها على الشاشة الكبيرة أو الصغيرة، وتخاطب أبناء عصرها وزمانها.

كل تلك القامات التي مضت ومضى معها زمن الفن الجميل -كما نعتقد- تركت لدينا -أي أبناء جيلي- هذا العزوف عن التعرف على الوجوه الجديدة، أو معرفة أسمائهم كما كنا نحفظ، ليس فقط أسماء الفنانين، بل نتابع حياتهم وأخبارهم بذات الشغف الذي نتابع به أعمالهم.

وأنا أتابع -اضطراريًا- بعض المسلسلات التي تعرض بعد الإفطار في رمضان، لأنه وقت اجتماع الأسرة، فوجئت هذا العام؛ برؤية الممثل ذاته في عملين متجاورين، أي بعد انتهاء العمل الأول يتم عرض العمل الثاني، لا مساحة زمنية بينهما تُمكِّن المشاهد من الانحياز للشخصية والاقتناع بها، كذلك أتساءل كيف يتمكن الممثل من تقمص الشخصية وإتقانها بشكل يقنع المتلقي بأدائه.

تشعر أن التمثيل أصبح «سلق بيض»، حركات صوتية وجسدية تنفر المشاهد، وتصرفه عن المتابعة، فما بالكم بالارتباط الوجداني الذي كان يأسرنا ويجعلنا نعيد رؤية الأعمال الفنية أكثر من مرة، حباً في رؤية الفنان وهو يعيش الشخصية التي يؤديها بكل تفاصيلها، وينسينا أن ما نشاهده مجرد تمثيل، بل نتفاعل بكل مشاعرنا مع الأحداث، وننتظر بفارغ الصبر الحلقة التالية، كذلك نظل مشغولين فكرياً في مجرى الأحداث، هذه هي متعة المشاهدة والمتابعة التي افتقدناها للأسف مع هذا التهريج، الذي أصبحتُ مجبرة عليه يومياً، لأنه أفضل الموجود، أو أنه هو المعروض في تلك الساعات التي تجتمع فيها الأسرة بعد الإفطار.

ربما أننا نحتاج إلى بعض الوقت حتى نشاهد فنانين محترفين يملأون الفراغ الكبير الذي خلفه رحيل كبار الممثلين وكتاب السيناريو المصريين الذين كان الفضل لأعمالهم العظيمة في تربية ذائقتنا على جمال الأداء والحبكة والحوار والفكرة، أو التيمة التي يقوم عليها المسلسل.

لا أنكر أن ما يوجد الآن هو اجتهادات فردية، لكننا بحاجة إلى تحويل الهواة إلى محترفين عن طريق الدراسة الأكاديمية، والاستفادة من تجارب الدول من حولنا، ففي الجامعات لابد من وجود كلية للفنون المسرحية والسينمائية والدرامية.

لازلت مقتنعة بالمواصفات الجمالية للفنان والفنانة، بالإضافة للشخصية والجاذبية، خصوصاً من يتصدر دور البطولة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store