Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

آخر حبات اللؤلؤ

A A
ونحن نودع هذا الشهر الفضيل، شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن؛ نُودِّع معه تلك الروحانية التي غلَّفت أيامه ولياليه، تلك الساعات واللحظات، المليئة بالسكون والهدوء الذي تسلَّل إلى نفوسنا، والطمأنينة التي ملأت قلوبنا، والجمال الذي نفتقده بقية شهور العام، حتى لو ملأناها بالصوم.

لاشك أن هذا الشهر مخصوص بفضائل ومميزات عديدة، تجعل له هذا الحضور الطاغي بلياليه وأيامه، ويصبح فراقه صعباً على النفس، لذلك - والله أعلم- يكون ختامه عيداً، ينشغل به المسلمون عن لوعة فقد الشهر؛ بالاستعداد لاستقبال أيام العيد بكل جديد، وما لذ وطاب من مأكولات وحلويات، تغسل حزن فراق شهر ليس كالشهور، وليال كحبات اللؤلؤ تُزيِّن جيد شهر رمضان، فيها ليلة خير من ألف شهر، هي ليلة القدر، التي يسعى المسلمون في كل مشارق الأرض ومغاربها للفوز برؤيتها، لكن حكمة رب العالمين في إخفائها تُحفِّز عباده على الاجتهاد بالصلاة والدعاء، لينالوا جائزتهم الكبرى بالرحمة والمغفرة والعتق من النار.

هذا العبق الذي يضمخ أيام وليالي رمضان، أمامنا خطوة أو خطوتان لنغادره، وننتقل من حال إلى حال، من صيام وسكينة، إلى بهجة وضجيج؛ فالأيام تمضي بنا سريعاً خلال شهر رمضان، ربما لأننا نفرط في الاستعداد المادي لاستقباله، لكنه رمضان الشهر الأيقونة وسط الشهور، حقيق بكل استعداد واحتفاء، حقيق بالشوق والانتظار، ولوعة الفراق.

ككل عام يثار الجدل حول موعد العيد، رغم أن الفارق يوم قبل أو بعد، هذا العام أيضاً حتى نشر هذا المقال لا أحد لديه علم أكيد هل هو بعد غدٍ الجمعة، أو يوم السبت.

يوم واحد يفرق كثيراً لدى المسلمين، لأنه يوم الانتقال من صومٍ إلى إفطار، ومن روحانيةٍ وعادات رمضانية؛ إلى بهجةٍ وأبّهة العيد.

في كافة الدول العربية والإسلامية يعتبر عيد الفطر هو العيد الصغير، والعيد الأكبر أو الكبير، هو عيد الأضحى، ونظراً لارتباطنا الوثيق بالحجيج في العيد الكبير، وما يترتب عليه من اهتمام وانشغال كافة المرافق والهيئات والأسر بضيوف الرحمن، أو بأداء فريضة الحج، لذلك تمتد أعياد الفطر لعدة أيام من شهر شوال، فتضع بصمة البهجة عليها الجمعات العائلية، التي تبدأ من إفطار العيد.

الفرح هو الجوهر الكامن داخل مظهر الاحتفاء بالعيد، خص به الله المسلمين مكافأةً لهم على صيام شهر رمضان وقيامه. العيد يعني الفرح بإنجاز المهمة التي كُلّفنا بها، وهي صوم شهر رمضان وقيام لياليه العشر. الصوم عن الذنوب والمعاصي، وكل ما يثقل القلب والبدن، لتصح القلوب والأجساد من ثقل الملذات، نستقبل بها يوم العيد، وقد تخلصت قلوبنا وأجسادنا من أوزار عام كامل.

العيد جوهر ومظهر، الجوهر لا يتغير وإن تغيرت أعراضه، وجوهر العيد فرحته مهما تبدلت المظاهر وتشكلت باختلاف الزمان والمكان، لابد من استقرار الفرحة في القلب. المظهر عرض متبدّل زائل، والجوهر قائم دائم، لكننا حرصنا على ترسيخ كثير من المظاهر المرهقة والمكلفة، كمن يقرأ الهوامش ويهمل المتون..!

في هذه الأيام الأخيرة ينشغل الجميع بالاستعداد للعيد، وقلبه يرجف خوفاً من التفريط في آخر حبات اللؤلؤ، هذه الليالي الأخيرة من شهر رمضان، الذي جاء ومضى سريعاً، وقلوبنا عطشى تستجدي الارتواء حتى آخر لحظة.

تقبّل الله صيامكم وقيامكم، وكل عام وأنتم ممتلئون شوقاً وعزيمة لاستقبال رمضان جديد، يعود علينا وعلى الأمة الإسلامية والوطن العربي ووطننا الغالي بالخير والتقدم ومزيد من الازدهار.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store