Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
نبيلة حسني محجوب

خوندنة في شيربروك

A A
مع أن النقد الأدبي في حد ذاته إبداعٌ، إلا أنه ليس كل ناقد يملك موهبة الإبداع الشعري، أو القصصي والروائي، لأن الإبداع النقدي مرتبط بالنصوص الإبداعية؛ التي يُجري الناقد عليها نقده تحليلاً وتقييمًا، بطريقة منهجية تسير بخطى ثابتة على الخطوط التي تشكلت من النظريات النقدية، وآراء المنظرين والمشتغلين بالدراسات الأدبية.

عرفت الناقدة والمترجمة الأستاذة نادية خوندنة، خلال استضافتها مرات في الصالون الثقافي في نادي جدة الأدبي، نظرًا لأسلوبها السهل الممتنع في النقد والطرح، مما جعلها اسمًا متداولاً في المؤتمرات الأدبية والمنتديات المختلفة.

في الصالون الثقافي قدمت العديد من القراءات النقدية لروايات مهمة: «حكايا شهرزاد بين شارع الأعشى وشارع المحاكم» لبدرية البشر وأسماء الزرعوني، الواقعية السحرية في سلمى والجنية لغازي القصيبي، قراءة في نساء القمر جوخة الحارثي».

وعندما أهدتني كتاب «بين النور والنار: الإرهاب في نماذج مختارة من الرواية السعودية»، في معرض كتاب جدة 2020، وهو بحث مقدم في مؤتمر الأدباء السعوديين الخامس في الرياض 1438هـ، تضمَّن جزءًا من روايتي «محور الشر»، لم أكن أتوقع أن الناقدة والمترجمة التي تتقن اللغة الإنجليزية -مجال تخصصها الأكاديمي- وتجيد الألمانية التي درستها في معهد جوتة بألمانيا، أنها قاصة مبدعة؛ إلا عندما حضرتُ تكريمها بمناسبة فوز إحدى قصصها بجائزة رواق السرد 2021م، وهي رواية تيوليب، أول رواية في مجموعتها القصصية «شيربروك» الصادرة عن نادي مكة الأدبي.

«شيربروك» مجموعة قصص قصيرة جميلة، تصور أوجه من معاناة الغربة، والوحدة، والاشتياق والحنين إلى الأهل والأحبة خلال الفترة التي توقفت فيها الحركة على الكرة الأرضية بسبب كوفيد- 19، كما تصور الوحدة مع الوعكات الصحية التي يعاني منها المرء في حياته، لكنها تشتد مع الوحدة والغربة والضوابط الصحية التي اتخذتها الدول للحد من انتشار كورونا، ويتضاعف الإحساس بها، كذلك تصور إحدى قصص المجموعة التعايش مع الآخر المختلف كما في قصة «الرسالة الأخيرة».

لقطات عميقة وجميلة بأسلوب أدبي سلس رصين، تصورها القصص الأحد عشر، وقد عاشت خوندنة فترة العزل في كندا، لكنها لم تستسلم للوحدة والغربة بل حولتهما إلى فرصة للإبداع.

في قصة تيوليب: «انتشلني رنين الهاتف لمكالمة فيديو جماعية لزوجي وأبنائي يطمئنون عليَّ، مسحت دموعي الساخنة على عجل وأسرعت أطمئنهم أن الأمور على ما يرام..».

تقول أيضًا: «عدت إلى غرفتي مسرعة لقياس حرارتي ويا للمفاجأة السارة! استقبلتني باقة منسقة بعناية واضحة، بها أربع زهرات تيوليب بنفسجية دكناء توحي بالأناقة والحب.. أربعة.. رقمي المفضل أو رقم الحظ كما يقولون.. أشرقن في روحي بشمس دافئة.. شمس المحبة الدائمة والاهتمام البالغ من بضعة منى: ماما.. أحلى الأمنيات بعيد الأم».

الأديب يعيد تصوير الحياة من خلال رؤيته الخاصة، لكن الكتابة بضمير المتكلم أقرب ما تكون إلى الكاتب الذي يدمج شخصيته في شخصية البطل أو البطلة في تناغم وانسجام.

قصة «حورانية»، تنقل صورة من الصور الكثيرة المشابهة التي حدثت لكثيرين وكثيرات في بقاع الأرض خلال وباء كورونا، فالصديقة التي تعرفت عليها في محطة الحافلات واستمرت صداقتهما عدة سنوات، تعيش وحيدة: «التقينا حينذاك في صباح يوم مشرق، وسيطرت الأخبار المقلقة على حديثنا برغم أن الأعداد كانت قليلة في المدينة في بداية الأمر، إلا أنها كانت في تصاعد مستمر، حتى وصلت إلى أرقام كبيرة وكأنها كرة ثلجية تكبر، متدحرجة من مرتفعات جبل ترمبلان، وتنشر الرعب في مونتريال وفي جميع أنحاء ولاية كيبك التي أعلنت بعد فترة قصيرة منطقة حمراء موبوءة، وتزامنت مع ذلك الإجراءات الاحترازية المشددة، وفرض حظر التجول على جميع السكان إلا في ساعات محددة، وللضرورة القصوى.. في ظل تلك الظروف تفتقد صديقتها لمدة أسبوع، تضطر للخروج، تتجه إلى شقة صديقتها للاطمئنان عليها لكن البوليس يوقفها، ويتجاوب مع مخاوفها، يذهب ليطمئنها على صديقتها ثم يعود إليها..!».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store