Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد البلادي

لا تكن مكبّاً لنفايات الإنترنت!

A A
لم يعد النشر حكرًا على المؤسسات الإعلامية والعلمية الموثوقة، بعد أصبح بإمكان أي أحد نشر ما يريد؛ وقتما يريد، وبالشكل الذي يريد!. كميات هائلة من المحتوى غير المدقق وغير الموثوق تُكبّ يومياً في قنوات الإنترنت الشرهة من أجل المال والظهور، ولفت الانتباه، ومن أجل أهداف أخرى.. ولأنه لم يعد هناك حدود ولا خطوط حمراء، ولا حتى أخلاقيات تحكم النشر والظهور، فحتى عبارة (كلام جرايد) التي كُنَّا نقولها من باب السخرية عن المحتوى المشكوك فيه في الصحف، أصبحت أكثر مصداقية من (كلام الإنترنت) المُخجل والمخاتل، والذي تقول إحدى الإحصائيات إن 57% منه مُنشأ بواسطة مراهقين لم يتجاوزوا سن العشرين بعد!.

من هذه المكبّات، يتم الانقلاب باسم التجديد على كل ما بناه الأنبياء والمصلحون والفلاسفة على مر التاريخ.. سيدهشك عدد الجهلة الذين يُصفّقون للغريب والمثير والانقلابي، أياً كانت درجة مصداقيته، وأياً كانت خطورته عليهم.. ستجد مَن يتهكمون على الأنبياء وصولًا للذات الإلهية.. وستجد من يُبرِّرون للشذوذ الفكري والجنسي والأسري؛ وحتى الأخلاقي والقِيمي.. ستجد من يُمجِّدون العنصرية ويُؤصِّلون لها، وستقرأ تبريرات مستفزة للإلحاد، ولن تعدم وجود مَن يُحاولون إقناعك بالتطبيع مع الإباحية بكافة أشكالها.. لكن أكثر ما سيدهشك، وربما يفتّ في عضدك، أن تجد منظمات عالمية، وسياسيون بارزون، ونجوم رياضة محبوبون، يحاولون إقناعك بالانضمام لهذا الشذوذ المقزز، أو الحياد وغض الطرف عنه على أقل تقدير!.

فوضى تتطلب وجود المتلقِّي الواعي؛ القادر على فرز هذا الكم المهول من المغالطات والزيف، والقيام بدوره الأخلاقي في تحسين الوعي الجمعي بكيفية التعامل الصحيح معها. إن كنتَ تسأل الآن كيف يتم هذا، فسأقول لك في نقاط مختصرة:

- تحقق من شخصية الكاتب وصانع المحتوى وخلفيته العلمية والفكرية؛ من خلال البحث في تعليمه وخبرته وعلاقته بالموضوع المعني.

- تحقق من التحيز، بالنظر فيما إذا كان للكاتب أو الموقع تحيُّز أيديولوجي معين، أو أجندة حزبية أو نفعية؛ قد تؤثر على مصداقية ودقة وهدف المعلومات المقدمة.

- ابحث في الاستشهادات والمراجع، وتحقق ما إذا كان الكاتب يستشهد بمصادر حقيقية وموثوقة.

- تحقق من تاريخ النشر وتاريخ المصدر. فبعض المعلومات صادقة، لكنها قديمة وتم تجاوزها.

في زمن إعلام (الدليفري)؛ تحظى شبكة الإنترنت بانفلات معلوماتي لم تحظ به أي وسيلة إعلامية أو أداة معرفية عبر التاريخ، لتصبح أقرب إلى الهزل؛ منها إلى الجد، وإلى التجهيل؛ من التعليم والتوعية، وكأنها -وأعني الإنترنت- قد وقعت ضحية لحريتها اللامحدودة.. لهذا أعيذك - عزيزي القارئ- أن تكون مكبًا لنفايات هذه الشبكة، أو ناقلاً لفيروساتها ومغالطاتها.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store