Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد البلادي

لا تعش بعقلية الزرافة !

A A
* في كثير من أدبيات الشعوب، تمثل الزرافة رمزًا للغرور المقترن بالغباء وعدم تقدير الموقف، وهذه الرمزية لا تنبع من الشكل الظاهري فقط، فالمتتبع لسلوك الزرافات يجدها بالفعل تتعرض للكثير من المخاطر التي تهدد وجودها، بسبب سوء تقديرها للمواقف، من خلال سلوكيات أقرب ما تكون للغرور والتعالي.. وهو سلوك يمكن رصده حتى على المستوى الإنساني، فالكثير من البشر يعيش بعقلية (الزرافة)، حين لا يتوقف غروره عند حد الاعتقاد أنه أذكى من الآخرين، بل يقرن البعض ذلك بالإيمان المطلق أن جميع من حولهم أغبياء؛ وأكثر حمقًا من (هبنّقة) في زمانه!.

* يقول عالم الاجتماع العراقي علي الوردي: «إن الإنسان كلما ازداد غباءً وبلادة، ازداد يقيناً أنه أفضل من غيره في كل شيء».. ومشكلة أصحاب عقلية الزرافة أنهم يعيشون انغلاقاً تامًا داخل ذواتهم، فلا يسمعون إلا صوت الأنا المتضخم في دواخلهم، ولا يرون إلا منجزاتهم الخاصة - على افتراض وجودها -، لذلك يعتقدون أنهم وحدهم من يمتلكون العقل والذكاء والمعرفة، غير مدركين أن شعورهم الدائم بأنهم علي صواب، هو أكبر دليل على حمقهم وخطأ نظرتهم.

* لكل إنسان مفاهيمه ومعانيه ورؤاه ونظرته الخاصة؛ التي تكونت بناءً على تعليمه وبيئته وموروثه وخبراته الخاصة.. ومشكلة هؤلاء (الزرافات) أنهم يفترضون أن الآخرين لابد أن يروا العالم كما يرونه هم، ومن نفس الزاوية.. من هنا تحدث الخلافات والصراعات الفكرية، فيرمون كل من حولهم بالغباء لمجرد أنهم لا يرون ما يرونه هم!!.

* التنوع والاختلاف والتفاوت سنن كونية ثابتة، ولكل إنسان ذكاءه ومجاله الذي يبدع فيه، هناك من يبرع في الخطابة والحديث، وهناك من يبدع في الهندسة والحرف والعمل اليدوي، وهناك من يتميَّز في الرياضة والجهد البدني.. كلٌ مُيسَّر لما خُلِق له، ومن أشد الخطأ أن ننظر لكل هذا التعدد بمنظار شخصي ضيق.. وإلا لحققنا هنا مقولة آينشتاين: «لو قيّمنا سمكة على أدائها في تسلق الأشجار، لبقيت طوال عمرها تعتقد أنها غبية وفاشلة»!.

* قدّر ذكاء واختلاف من حولك، ولا تعش بعقلية الزرافة، معتقدًا أنك محاطٌ بالأغبياء وبمن هم أقل منك، فهذا شعور قاتل ومخيّب لك قبل الآخرين.. لابد أن تدرك أنك في حقيقة الأمر محاطٌ بأناسٍ يختلفون عنك في المفاهيم والموهبة وزاوية الرؤية.. وعدم تطابقهم معك ليس دليل على غبائهم، بل ربما كان شاهدًا على أن بعضهم أكثر ذكاءً وخبرة ومهارة منك.

* أخيراً.. الأمر كله يُذكِّرني بالقصة الطريفة لذلك الطفل، الذي كان أحد الحلاقين يتندَّر ويتنمَّر عليه أمام زبائنه يومياً، ويتهمه بالغباء حين يعرض عليه أن يختار بين خمسة ريالات، ونصف ريال.. كان الطفل يختار (نصف الريال) في كل مرة، فيضحك الحلاق صاحب عقلية الزرافة على اختياره الذي يراه غبياً، إلى أن قام أحدھم ذات يوم بلوم الطفل قائلاً: «ألا تعلم يا أحمق أن نصف الريال أقل من الخمسة؟!».. وكم كانت إجابة الطفل مفاجئة وصادمة حين قال: «طبعًا أعلم ذلك، لكنني أعلم أيضاً أنه في اليوم الذي سأختار فيه الريالات الخمسة، سيكف هذا الغبي عن التفاخر بذكائه الزائف، وحينها يا سيدي سأفقد كل شيء، وستنتهي اللعبة!.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store