قبل وبعد بعثته نبيّاً لم يدّخر النبيّ موسى عليه السلام وسيلة إلّا وسعى لنفع بني إسرائيل بها، بمشيئة الله.
لقد أنقذ اليهودي الذي استصرخه على المصري فوكز موسى هذا الأخير وقتله، وبعد أن عاد من مدين التي فرّ إليها وقف أمام فرعون الذي اعتبر نفسه إلهاً من دون العالمين، وطالبه دون خوف بأن يُرسل معه بني إسرائيل لإنقاذهم من العبودية والهوان والمذلّة وقتْل المواليد الذكور واستحياء النساء للخدمة وترفيه الفراعنة، وأخرجهم بعد سلسلة من المعجزات التي لم تتكرّر في التاريخ البشري كلّه، وضرب بعصاه البحر فانفلق بقدرة الله كي يمرّ منه بنو إسرائيل سالمين غانمين ويغرق فيه فرعون وقومه، وضرب بعصاه الصخر فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً من الماء العذب بعدد قبائل اليهود كي يشربوا ولا يموتوا من العطش في الصحراء، وكلّم ربّه فأنزل عليهم المنّ والسلوى من السماء ليأكلوا ويتمتّعوا، لكنّهم فضّلوا العدس والبصل والفول والقثّاء، وغير ذلك من الوقائع التي لا تكفي لها زاويتي، لكنّها تشهد أنّه كان بهم رفيقاً وشفيقاً ويريد لهم سبيلي النجاة والفلاح في الدنيا والآخرة.
ورغم ذلك قابلوه بوابل من العداء والاستهزاء والجحود، فقالوا له أنّهم أُوذوا من قبله ومن بعده، وهذا يعني إنكار كلّ ما فعله لأجلهم، وغاب عنهم أياماً قلائل ليجدهم قد عبدوا عِجْل البقر، وعندما أمرهم بالجهاد السهل بأن يدخلوا الباب فقط على أعدائهم لتنصرهم الملائكة بلا مجهود منهم، رفضوا وطلبوا منه أن يذهب ويقاتل مع ربّه لأنّهم هاهنا قاعدون، وتآمروا عليه فأقنعوا عاهرة يهودية كي تتّهمه بالزنا حاشاه ثمّ حاشاه، وألصقوا به عيوب جسدية مُشينة لم تكن فيه على الإطلاق، واصطحبهم حُبّاً فيهم ضمن وفد ليعتذروا لله على اقترافهم عبادة العِجْل فاشترطوا عليه أن يُريهم الله جهرة ويسمعوا كلامه وإلّا لن يؤمنوا به، وجاءهم بالتوراة مكتوبة على ألواح فجعلوها قراطيس يُخفون منها ما لا تهواه أنفسهم ويُبدون ما تهواه أنفسهم، وكأنّها خيار يحقّ لهم الانتقاء منها ما يشاؤون!.
فهل العرب أعزّ على اليهود من هذا النبيّ العظيم كي يتعاملوا معهم بأرقى ممّا تعاملوا مع نبيّهم؟ وممّا شاهده العالم كلّه من فظائع لليهود في فلسطين؟ كلّا، ثمّ كلّا، ثمّ كلّا، فيا أعزّائي العرب، وفي حضرة بني إسرائيل: الحذر.. الحذر!.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
