* إذا كان من الواجب أنْ تكون بعض رموزنا حاضرةً في ثنايا حياتنا وواقعنا المعاصر؛ فمن الواجب -أيضًا- أنْ يكون لتلك الرموز دلالاتها ومعانيها، تأريخًا وحضارةً، وثقافةً.
* وعندما ترهن السعودية «2024 عامًا للإبل»؛ فلأن الإبل قد استحالت رمزًا حيويًّا وفق مقتضياته السياقية، وهذا الرمز قد جمع ما بين خصيصتين، هما: الصبر، والقوَّة. وهاتان الخصيصتان لعبتا دورًا محوريًّا في حياة المؤسس الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-، إبان توحيد هذا الكيان العظيم.
* كلنا، يتذكر -بكل فخر- تلك الصور التي تبث بين الحين والآخر، حين تتجلَّى فيها آيات العظمة، وتعلو معها رايات التوحيد على ظهور «الإبل»، زهوًا، وفتحًا، ونصرًا، وندرك وقتئذٍ أنَّ العظمة في العظيم، والبطولة في البطل المقدام.
* ولا شكَّ أنَّ «الإبل» كواقع مشهود، لم تكن بمعزل عن تأريخنا، بالصحبة والمرافقة اليومية، وفي الحرب والسلم، والحل والترحال، حتى غدت جزءًا أصيلًا من مكوِّنات الحياة في بلادنا، الأمر الذي أدَّى إلى تتبُّع ما يندُّ من حركاتها، وسكناتها، وينبعث من سلوكها وأحوالها، وصولًا إلى التغزُّل بها، ووصف كثيرٍ من أحوالها شعورًا وحسًّا، فتعدَّدت منازل «الإبل»، فتارة بمنزلة الإنسان، وتارة بمنزلة الرجل، وتارات أُخْرى بمنزلة المرأة، والصبي، والولد، والفتى، فغدت مرآةً نفسيةً ووجوديةً لما يعتور الإنسان من الأحاسيس، والمشاعر، والأحلام، والطموحات إلى يومنا هذا.
* فأيُّ فخر هذا، وأيُّ جمال وجلال حينما تجتمع في «الإبل» عوامل الثقة، واجتياز الفلوات، عندما نسمع صوت الشاعر العربي:
مِثلهَا تُقطَعُ المَومَاةِ عَن عُرُضٍ
إِذا تَبَغَّمَ فِي ظَلمَائِهِ البومُ
* وحسبنا في هذا المقام، أنْ نعرف أنَّ علقمة الفحل قد رهن في معلقته سبعة عشر بيتًا للإبل، من مجموع سبعة وخمسين بيتًا، وأنَّ لطرفة بن العبد في معلقته أربعة وثلاثين بيتًا مرهونة للإبل من مجموع مئة وأربعة أبيات، وأنَّ النابغة الذبياني رهن أربعة عشر بيتًا من خمسين بيتًا، وفي معلقة الأعشى وحدها عشرون بيتًا من خمسة وسبعين بيتًا، وفي ملعقة لبيد ثلاثة وثلاثون بيتًا من ثمانية وثمانين بيتًا، وفي قصيدة الحطيئة ثمانية عشر بيتًا من مجموع أربعة وأربعين بيتًا، وفي إحدى قصائد بشامة بن عمرو ثمانية عشر بيتًا من سبعة وثلاثين بيتًا كلها خاصة بالإبل.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
