شاهدَ العالمُ يوم الجمعة ١٤ رجب ١٤٤٥هـ، الموافق ٢٦ /١/ ٢٠٢٤م، الجلسةَ التي قرأتْ فيها رئيسةُ محكمةِ العدلِ الدوليَّةِ في لاهاي، تقريرًا مطوَّلًا اتَّصف بسردٍ لمرافعةِ جمهوريَّةِ جنوبِ إفريقيا الموثَّق بمرجعيَّة وأدلَّةٍ محكمةٍ بالصَّوتِ والصَّورةِ، والردَّ عليهِ من حكومةِ إسرائيلَ الذي كانَ في مجملهِ نكرانًا للواقعِ، كما قدَّمته مرافعةُ جمهوريَّةِ جنوبِ إفريقيا.
والحيثيَّاتُ في مجملِهَا تؤكِّدُ أنَّ مَا ورد في مرافعات جنوب إفريقيا وقع ولا جدالَ فيه، ولكنَّ إجراءات المحكمة تتطلَّب الوقوفَ عند كلِّ كلمةٍ وجملةٍ ونصٍّ؛ لتستنبطَ منه الحجَّة والمصدرَ القانونيَّ الذي استند إليه، والشَّواهد والأدلَّة، وتستخلص منها نصَّ الحكمِ القضائيِّ الذي يمكنها طرحه للتَّصويت، وعلى ذلك يصدرُ الحكمُ. واللَّافت أنَّ التَّصويت كانَ ١٥ قاضيًا في صالحِ مرافعةِ جمهوريَّة جنوب إفريقيا، واثنان ضدَّ، منها ممثلُ إسرائيلَ وأوغندا، والغريبُ أنَّ إسرائيلَ في كلِّ الحالات التي تدينها يوجد لها مؤيِّد، إذا لمْ يكنْ «الفيتو» الأمريكي، الذي لا مكانَ له في محكمةِ العدلِ الدوليَّةِ.
المرافعةُ طالبت بقرارِ إيقافِ الحربِ، وذلك -مع الأسف- لم يحصلْ، مع أنَّ كلَّ الذي قالته المحكمةُ لإسرائيلَ التوقُّف عنه، وهذا معناهُ أنَّه يجبُ أنْ تتوقَّف عن الحربِ على غزَّة.
وبمتابعةِ كلِّ تعليقاتِ المراسلين للمحطَّات الإعلاميَّة المتعاطفةِ مع إسرائيلَ في أمريكا وأوروبا، أجمعُوا على ارتياحِ إسرائيلَ بعدمِ إصدارِ قرارٍ صريحٍ بإيقافِ الحربِ؛ لأنَّ إسرائيلَ كانت تخشَى ذلك.. والتَّصويتُ في هذه الحالاتِ لا يتمُّ إلَّا بعدَ مشاوراتٍ بين أعضاءِ المحكمةِ، لتكوينِ قناعةٍ متَّفقٍ عليها قبل التَّصويت؛ لأنَّه علنيٌّ، ولا يستطيعُ أحدٌ أنْ يتخفَّى تحت ستار التَّصويت السريِّ، وهذا من أهمِّ الإجراءاتِ الإيجابيَّةِ في مجلس الأمنِ، ومحكمة العدلِ، وغيرهما من مجالس المنظَّمات الدوليَّة.
والخلاصةُ في هذا الطَّرح المختصر، أنَّ إسرائيلَ وُجِدتْ كجريمةِ حربٍ، واستمرَّت مجرمةَ حربٍ بالقولِ والفعلِ الصَّريحِ؛ لأنَّ الرَّاعي لها يريدُ ذلك، وفي هذه المرَّة ينبغي ألَّا تفلت من العقابِ؛ لأنَّ الإجرام لابُدَّ أنْ يتوقَّف، وأنْ يكون له نهايةٌ مهما طالَ الزَّمنُ.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
