Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د.ساري بن محمد الزهراني

المازني.. والعمر الذاهب!!

A A
* بعض الكتب كنفائس القمينة، التي تجمع ما بين خصيصتين؛ هما: اللَّذة مع الاستطابة، والمتعة مع الفكرة. إنَّها أشبه ما تكون بلَّذة العسل على أطراف اللِّسان، والمتعة الطَّوافة من فنن إلى فنن.

* وهذا النَّوع من الكتب قليل في ميزانَي اللَّذة والمُتعة؛ ولكنَّكَ قد تجدها بعد جهد جهيد، ومسيرة مضنية، كما وجدتها في كتاب «العمر الذاهب.. رحلة المازني المعرفيَّة من القراءة إلى الكتابة»، من إعداد وتقديم وجمع الدكتور عبدالرحمن بن حسن قائد، الصَّادر عن شركة آفاق المعرفة للنشر والتوزيع 2021م.

* إنَّ كتاب «العمر الذاهب»؛ ليس بحثًا مجرَّدًا في رحالة عبدالقادر المازني -رحمه الله- بمفهوم الرحلة المتعارف عليها؛ ولكنَّها رحالة تجمع بين أشتات متفرِّقة من حياة المازني المعرفيَّة، والفكريَّة، والفلسفيَّة، والشعريَّة منذ بدأ في الكتابة حتَّى آخر يوم من حياته.

* هي رحالة مكتوبة بلسان المازني، يعتريها ما يعتري كاتبها من غرور مستحسن، ومبالغة وجيهة، وسقطات مغتفرة، واتِّهامات للنفس، وسخرية منها وبها، إنَّها سطور تتعرَّى أكثر ما تستر، وتكشف أكثر ممَّا تكن.

* في السطور التي أسمها الدكتور القائد بـ(شيء من المقدمة)، تأكيد على أنَّ هذا كتاب (العمر الذاهب) سيرة لا ينقصها الصدق الذي ينقص السير الذاتيَّة؛ بل هي مرآة كاشفة لروح صاحبها في رضاه وغضبه، وغروره وتواضعه، وفرحه بما قدَّم، وندمه على ما فرَّط، يخطئ فيعترف، فيحسن، فيتباهى، لا يعبأ برأي القارئ فيه، ولا يلتفت لموقف العالم منه، وقد هان عنده كل شيء حتى ما يحفل شيئًا، أو يبالي كيف يكون، أو يتحسَّر على شيء فات، أو يتطلَّع إلى ما هو آت.

* وهكذا، فمَن يرى من الأدباء الكبار كالمازني- يجسر على الاعتراف بأنَّه لا يفهم الفلسفة، أو الإقرار بأنَّه يعيد قراءة الأدب العربي مرَّة أُخْرَى؛ لأنَّه تعجَّل في قراءته أوَّل مرَّة، أو التصريح بأنَّه يكتب للخبز لا للأدب، أو المجاهرة بترك الشعر، وقد كان معدودًا من شعراء عصره؛ لأنَّه رأى نفسه ليس من أهله؟ ومَن منهم تسمح له نفسه بالاعتراف بالفضل في توجيهه لواحد من أقرانه؛ بل من خصومه وأعدائه؟ دعك من كبار الأدباء، كم من عامَّة النَّاس من يعترف بأخطائه، ويتراجع عن حماقات شبابه؟

* لقد أحسن الدكتور القائد جامع تلك المقالات، التي كتبها المازني أيَّما إحسان، وأجاد أيَّما إجادة، حينما مهَّد لـ»حياة المازني»؛ بما يكشف عن الهدف الذي من أجله كان الكتاب، وكانت المقالات، فما عنوان الكتاب= (العمر الذاهب)، إلَّا نفحة من قارئ حانق، تسير بالتَّوازي مع خط المازني في كتابة عناوينه..!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store