Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د.ساري بن محمد الزهراني

سرقات اليوم.. ولصَّا المازني!

سديم

A A
قديمًا كان اللصوص يسرقون لسدِّ حاجاتهم من الحياة؛ لفرط ما بهم من جوعٍ ومسغبةٍ، أمَّا اليوم فقد تعدَّد اللصوص، وتنوَّعت السرقات= مال، وأبحاث، ومقولات، ومقالات، وتغريدات، وقصائد، وتصاريح؛ و»الحبل على الجرار»!!

لأكن صادقًا، فأنا لا أعرفُ الرَّابط ما بين الكلمات السابقة؛ وما تعرَّض له صاحبنا عبدالقادر المازني -رحمه الله-، فيما عرض له من سرقات طالته في بيته، فمن أغرب ما وقع له، أنَّ لصًّا تسوَّر في ليلةٍ إلى غرفة نومه، وحمل ما على المشجب من ثيابه وثياب امرأته، وكان اللصُّ حكيمًا عاقلًا، فلم يحاول أنْ يفتح خزانةً، أو صوانًا، أو غير ذلك؛ لئلَّا يُحْدِث صوتًا فيستيقظ مَن في البيت، ولو عرف ما اتَّقى ولا بالغ في حذرِهِ؛ فما عند المازني، وأهل بيته شيء يدافعون به عن أنفسهم، حتَّى ولا عصا، وقد سأله أخوه بعد ذلك عمَّا كان خليقًا به أنْ يصنع لو كان غير نائم، فكان جواب المازني: «كنتُ أتناوَم!»

على أنَّ هذا ليس بيت القصيد، وإنَّما بيته أنَّ اللصَّ ما ترك ما كان في جيوب المازني من أوراقٍ ومفاتيحَ عند مخبأ في الفضاء الذي يشرف عليه البيت، فجاء بها حارس المخبأ، فأكبر المازني في اللصِّ هذا الحرص على نبذ ما لا ينفعه، وحَمَدَ للصِّ أنَّه ألقَى بالمفاتيح والأوراق على مقربةٍ من البيت، ولكن لمَّا تأمَّل المفاتيح ألفاها ناقصةً، فقد أخذ السارق مفاتيح باب المكتب؛ فهو -كما يقولُ المازني-: «ينوي أنْ يشرِّفنا بزيارةٍ أُخْرَى!».

ومن نوادر المازني في هذا السِّياق أنَّ جسمًا أحدث صوتًا في الفناء الخلفيِّ لبيته فأوقظه، فتوهَّم في أوَّل الأمر أنَّ حجرًا مزعزعًا أسقطه قطٌّ أو نحوه، ولكنَّه سمع بعد ذلك حركةً كحركةِ مَن يعالج فتح باب، فنهض ومضى إلى الباب الموصد، وفتح شبَّاكه ونظر، فإذا واحد من أهل الحيِّ، ولم يخطر على باله أنَّه جاء ليسرق، فما في البيت ما يستحقُّ أنْ يطمعَ فيه أشدُّ اللصوص قناعةً، وظنَّ المازني أنَّه جاء يطلب شيئًا فحيَّاه، وإنْ كان قد أسخطه أنَّه جاء في هذا الوقت المتأخِّر.

يقول المازني: وفتحتُ له الباب، وقلتُ له: «تفضَّل»، وحملتُ ما بدا لي من تردُّده واضطرابه على محمل الخجل، فألححتُ عليه، فدخل، فمضيتُ به إلى المكتبة، وناولته سيجارةً، وقمت لأصنعَ له قهوةً، فاستغرب سلوكي معه، وأعجبه على ما يظهر، فأقرَّ لي بالحقيقةِ، وسألني الصَّفح.

فضحكتُ، وقلتُ له: والله إنِّي لجديرٌ بأنْ أخجل منك، فإنَّ البيت فارغ! ودرتُ به على الغرف ليرى بعينه مبلغ فراغها، فزاد خجله، وطال اعتذاره، وعظم أسفه، فخطر لي أنَّ من نقص المروءة أنْ أردَّه خائبًا صفر اليدين، ولم أجد غير الكتب، فتناولتُ طائفةً منها وقلتُ له: خذ هذه وبعها، وإذا احتجت إلى سواها فتعالَ إليَّ فقد مللتُ عبادة الأصنام، وكتبتُ له رقعةً وقلت فيها: إنِّي أعطيته هذه الكتب حتَّى لا تزعجه الشُّرطة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store