Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد البلادي

الإدارة بـ (اللسلسة)!!

A A
و(اللسلسة) مصطلح شعبي شديد البلاغة، يعني إجراء عمل أو قضاء مصلحة بطريقة ملتوية؛ أقرب ما تكون للصوصية.. وقد دخل هذا المصطلح إلى قواميس الإدارة العربية مؤخرًا، للإشارة إلى نوع من الإدارة يقوم على مجموعة من الطرائق غير الأخلاقية، تبدأ من عند الوصولية والتسلق، ولا تنتهي بالكذب والتزوير وتزييف الحقائق، مروراً بالاستغلال وارتكاب الأفعال غير الشريفة.

تتعدد الصفات السيئة في (اللسلسة) وتتنوع، ولكن يبقى النفاق هو سنامها؛ وعمودها الفقري، فلا يمكن أن يكون الموظف (لسلوساً) إلا إن أجاد كل فنونه وأصبح منافقاً منزوع الكرامة، (تمردغ) وتمرّغ في تراب أكثر من مدير، ورضي بالهوان على يديه!.. ولا تسأل هنا عن المبادئ ولا المناهج العلمية عند هذه الكائنات، فمعظمها مبادئ وصولية مطّاطة من نوع (إذا كان لك عند الـ.... حاجة، قول له يا سيدي)، و(اليد اللي ما تقدر تدوسها بوسها)، و(اللي تغلب به العب به)، إلى آخر هذه العبارات السوقية التي تشرّبوها كبدائل عن كرامتهم المنتهكة.

الأصل عند تعيين موظف، أن تُسند إليه مهام واضحة ومعروفة، يتم قياس أدائه على مقدار ما ينجز منها.. لكن المدير المصاب بهذا الداء يعتقد أن مسؤولية الموظف يجب أن تتمحور حول ما يقدمه له الموظف من قصائد التطبيل ومظاهر الاحتفال وحفلات النفاق!.. ومن هنا تنشأ ثقافات العمل الاستغلالية، ويتحوَّل بعض الموظفين إلى مجرد أملاك خاصة للمدير.. ولهذا السبب، يرى (إد زيترون) الكاتب والمدير التنفيذي لإحدى الشركات الكبرى، أن بعض المديرين يرتعبون من فكرة خروج الموظف من الحظيرة.

يبدأ (اللسلوس) حياته المهنية كمراسل صغير للخدمات الوضيعة ضد زملائه، مثل التلصص ونقل الأخبار، إلى أن تصبح (اللسلسة) جزءاً من شخصيته، بل جزء من لحمه ودمه.. لذا يكره هذا النوع كل موظف مستقيم أو معتز بكرامته، لأنه يُذكّره بنقطة ضعفه، فيبذل كل ما بوسعه لكسر هذا الموظف أو إبعاده، ومن هنا تأتي خطورته على كل منظمة يصل لقيادتها، فهو يُقرّب من هم على شاكلته ويبعد من يأنس فيهم الاستقلالية، وسرعان ما تتحول المنظمة إلى مجموعة من العبيد الذين يقبلون القيام بأي مهمة، لأنهم يؤمنون أن الترقي الوظيفي لا يعتمد على اجتهاد الموظف وإتقانه وتفانيه في العمل، ولا حتى على مهاراته الشخصية، بل على (شطارته) في التسلق والنفاق وإتقان لفنون (اللسلسة).

ليس عجيباً أن يتهرب الموظف من هذا النوع من أداء العمل المناط به، فهو غير مهيَّأ له أصلاً، العجيب فعلاً أنه يوهم الجميع بأنه (السوبرمان) النافذ، والقادر على (توريط) الجميع والانتقام منهم، تاركاً زملاءه في حيرة من كيفية التعامل معه، فهو من جانب لا يقوم بتأدية أي عمل؛ ويتحملون عبء تأدية عمله، ومن جانب آخر لا يستطيعون الإبلاغ عنه، لعلمهم بأنه مسنود!. ويحدث العجب الأكبر عندما يحصل على أعلى التقديرات، ويقفز كالصاروخ في سلم الترقيات، بينما يحصل المجتهدون على الفتات.. هذا النوع هو من يصبح مديرًا متسلطاً، يمارس (الإدارة باللسلسة) ويتشبث بها، لأنها هي من أوصلته لمكان يعرف جيداً أنه لا يستحقه.

يُحكَى أن مديراً من هذا النوع قال نكتة سامجة في حضرة بعض تلاميذه من صغار المنافقين، فضحكوا كلهم إلّا واحداً.. ولما سأله المدير عن سبب عدم ضحكه قال: لقد تقدمت باستقالتي أمس!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store