المعاصرة حجاب.. يا أولي الألباب

بعض الناس أشد ما يُنغِّص عليه حياته أنه دائم التفكير فيما ينقصه، ولا يكاد يستشعر النعمة فيما يملكه، وهو يألف الموجود من النعم، مع كثرته ويعتاده ويراه حقاً مكتسباً ثم يزهد فيه، ويتطلع للمفقود ويحرص عليه ليظفر به ثم إذا حصل عليه اعتاده ثم استصغره، وهان في عينيه لأن الإلف والعادة يحجبان الشعور بالنعمة وإذا حُرِم منها عرف قدرها.!

وكذلك العَالِم بين أهله لا يرونه شيئاً ولا يأخذون برأيه لأن المعاصرة حجاب، وفي ذلك يروي الشيخ الطنطاوي هذه المقولة: (أزهدُ الناس في العَالِم أهله وجيرانه، لأنهم يرونه في جِدِّه وهزله وغضبه ورضاه، والبعيدون عنه لا يرونه إلا في أحسن حالاته ولا يبصرون منه إلا أجمل جوانبه).


والمعاصرة بين اثنين لا تُتيح لكل منهما أن يعرف الآخر كما ينبغي، وذلك لأن الصورة الذهنية التي تتكون عند كل واحد منهما عن الآخر تكون ناقصة، فقد يكمل الشخص كلامه الذي حمل على غير مراده، وقد يغير رأيه الذي ذهب إليه بل قد يغير مشربه أو مذهبه وهذا مِصداقاً لقوله تعالى: (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون).

وحتى ندلل على أن المعاصرة حجاب يقول الحسن بن زياد: (حلفت أم أبي حنيفة بيمين فحنثت، فاستفتت أبا حنيفة فأفتاها، فلم ترضَ وقالت: لا أرضى إلا بما يقول زرعة القاص، فجاء بها أبو حنيفة إلى زرعة فقال زرعة مخاطباً أم أبي حنيفة: أفتيك ومعك فقيه الكوفة؟، فقال أبو حنيفة : أفتها بكذا وكذا، فأفتاها فرضيت).!


ولهذا تقول العرب: (أزهد الناس في الأديب أهله)، وقالوا أيضاً: (زامر الحي لا يطرب)، وقالوا : (لا كرامة لنبي في أرضه).

ويقول البدو: (عنز الشعيب تحب التيس الغريب)!

هناك مرض صامت اسمه التعود على النعمة، وله مظاهر منها: أن تألف نعم الله عليك وكأنها ليست نعماً، وأن تتعود الدخول على أهلك وتجدهم بخير فلا تشكر الله على ذلك، وأن تشتري ما تريد دون شكر المنعم، وأخيراً أن تستيقظ وأنت في أمان دون أن تحمد الله!.

حسناً ماذا بقي؟!!

بقي القول: الحمدلله الذي جعلني أستشعر نعماءه في كل يوم وأشكره، وإذا سألني أحد عن حالي وأحوالي أقول: الحمد لله إنني في زحمة من النعم.

أخيراً... لا تجعلوا حياتكم ترغمكم أن تألفوا النعم، بل ارغموها أن تألفوا الحمد والشكر لأن الإنسان إذا اعتاد الاستشعار بالنعم تدوم.. يقول نجيب محفوظ: (قاتل الله العادة، فهي التي تقتل روح العجب والإعجاب فينا)!!.

أخبار ذات صلة

الدعاء.. سلاحٌ أغفلته الأمة
(نوبكو).. واستدامة الصناعة
أبو وجهين!!
أثر الأدب في تشكيل هوية الشعوب
;
مطبـــــــــات
الداخلية تواصل الإبهار.. بمبادرة «طريق مكة»
التهديد النووي يتصاعد في حرب أوكرانيا
عودة مادة (الخط)!
;
توقعات الطلاب حول الرواتب..!!
خطراتٌ حول مَهْزلةِ الوقْت
المملكة.. عطاء وهندسة أداء
أنيس منصور.. عاشوا في حياتي
;
بيئات التعليم الجاذبة ورحلة مثيرة للتفكير والتعلم
من الستين إلى التسعين
أغسطس.. وأبناؤنا الطلاب!
دجاج ٦٥!!