التطرف في أوروبا ..الفعل ورد الفعل!

التطرف في أوروبا ..الفعل ورد الفعل!
أبعث بهذا المقال من باريس حيث وجدت المغتربين يتحدثون عن الهوية والبطالة والرفض كعوامل ثلاثة تطارد جيلاً ولد وتربى وتعلم في أوروبا وأصبح يعيش بين حضارتين كل منهما يرفضه ويدفعه للتطرف. أهم ثلاث جنسيات عربية مسلمة ينتمي لها الجيل الذي أتحدث عنه هما المغاربة والجزائريون والتوانسة. تونس والمغرب كانتا تحت الوصاية الفرنسية التي تعد أقل قسوة من الاستعمار بدرجة تقريباً ولكن الممارسات شبيهة ببعضها. الجزائر خضعت للاستعمار الفرنسي لمئة وثلاثين عاما تقريباً ولم يغادر الاستعمار الا بعد حرب تحرير فقدت الجزائرفيها ما يقارب من المليون ونصف المليون شهيد. سطر الجزائريون رجالاً ونساء فيها أعظم انواع البطولات والفداء في سبيل التحرر من الاستعمار الفرنسي الذي كان يعتبر الجزائر جزءاً من فرنسا حتى جاء الرئيس شارلز ديجول وفي خطوة حكيمة وشجاعة أعلن الانسحاب من الجزائر تحت نيران المناضلين الأبطال وأصبحت الثورة الجزائرية الرمز الأعلى لنضال تحرر الشعوب من الاستعمار. تلاها فيتنام والكونغو وجنوب أفريقيا وبقيت فلسطين الجريحة الى يومنا هذا البلد الوحيد في العالم الذي لازال تحت سيطرة الاستعمار الصهيوني. خلال فترة الاستعمار هاجر عدد من المغاربة والجزائريون والتوانسة الى أوروبا وذهب الأغلبية العظمى لفرنسا، وبقي البعض منهم بعد التحرر من الاستعمار يذهبون الى أوطانهم في العطل والمناسبات ويعودون الى أوروبا. الأبناء والبنات عاشوا مهمشين في ظروف صعبة لأنهم أبناء مغتربين حصلوا على الجنسية ولكنهم لم يحصلوا على القبول والاندماج في المجتمع. وأصبحت هويتهم مهزوزة من الطرفين في بلاد آبائهم الأصلية ،هم أبناء مغتربين وفي أوروبا هم لاجئون وعندما ينكمش الاقتصاد هم الضحايا. مع تزايد الاعداد وسوء الأحوال الاقتصادية زاد الضغط عليهم وخلق منهم طبقة تميل للعنف والتطرف وتبحث عن مخرج. المنظمات الإرهابية وجدت فيهم الاستعداد للانتقام من الغرب المستعمر الذي تسبب في تخلف أفريقيا والدول العربية وبنى حضارته وتنميته المستدامة على حسابهم وحساب أوطانهم الأصلية وأجيالها. استنزف الثروات الطبيعية واستخدم الطاقات البشرية للبناء وتشغيل آلاته الصناعية وعندما اكتملت تنميته أصبح يعتبرهم نكرة في المجتمعات الأوروبية يحملهم مشاكل الجرائم والبطالة وأخيراً العنف والإرهاب. وفي المقابل لم يجدوا سبيلاً للعودة الى أوطانهم الأصلية المتخلفة حضارياً واقتصاديا وسياسياً وأصبحوا يعيشون بين حضارتين متفاوتتين في كل شئ. الحوادث التي حصلت في فرنسا وبلجيكا مؤخراً ثبت أن مرتكبيها من أبناء الجاليات المهاجرة يحملون الجوازات الفرنسية ويفتقدون للقبول وفرص العمل والرفض من المجتمع في الجانبين. وانتهى بهم المطاف في أحضان القاعدة وداعش. طبعا المنتمون لتلك المنظمات قلة ولكنهم يعبرون عن حالة اليأس والحرمان والرفض التي يعيشها أهلهم وأقرانهم في المجتمعات الأوروبية برغم تأهيلهم العلمي وإجادتهم اللغة الفرنسية وصحتهم الجسدية. كل هذه لا تعوض عن فقدان الهوية والقبول والاعتراف بهم أسوة بغيرهم من المواطنين.

أخبار ذات صلة

«اسحب على الجامعة يا عم»!!
حكاية مسجد في حارتنا..!!
شر البلية ما يُضحك
أطفالنا والشاشات
;
الرد على مزاعم إسلام بحيري في برنامجه إسلام حر
السعودية ومرحلة الشراكة لا التبعية
جلسات علمية عن الخلايا الجذعية
الشقة من حق الزوجة
;
المزارات في المدينة المنوَّرة
خطورة المتعاطف المظلم!
خطورة المتعاطف المظلم!
لماذا يحتاج العالم.. دبلوماسية عامة جديدة؟!
أدب الرحلات.. والمؤلفات
;
كيف نقضي على أساليب خداع الجماهير؟!
المتقاعدون والبنوك!!
د. عبدالوهاب عزام.. إسهامات لا تُنسى
فلسفة الحياة.. توازن الثنائيات