فن السيرة قد يُزوِّر المسيرة

فن السيرة قد يُزوِّر المسيرة

كُنتُ دَائِمًا أَتسَاءَل: لِمَاذَا يَكتبُ النَّاس مُذكَّراتِهم وسِيَرهم؛ بَعدَ أَنْ يَتجَاوزوا الخَمسين؟، هَل هو بسَبَب ضَخَامة التَّجربَة، وقِطَار العُمر الذي مَرَّ مِنه نِصف قَرن؟، أَم أنَّ هُنَاك أَسبَابًا أُخرَى، لَا يَعرفُها إلاَّ الرَّاسِخُون فِي الطِّبِّ؟!طَال السُّؤَال، وتوسَّعَت دَوَائِر الاستفهَام عِندي، حَتَّى عَثرتُ عَلى كِتَاب بعنوَان: «إقلَاع وهبُوط - سِيرة طَبيب مِن رَأس بَيروت»، للطَّبيب الأَديب «منير شمَّاعة»، حَيثُ ذَكَر فِي مُقدِّمة كِتَابه؛ تَفسيرًا لهَذه الظَّاهِرَة، وهو تَفسير سَيكولوجي، حَيثُ يَقول: (عِندَما يَصل الإنسَان إلَى عُمرٍ مُعيَّن، وتَبدَأ رِحلته الأَخيرَة، يَنتَابه القَلَق، لأنَّه سيَذهب بلَا طَنَّة أَو رَنَّة، فيَعمَل عَلى كِتَابة مَسيرته، آملاً أَنْ يَترك بَصمةً فِي أَذهَان النَّاس. وهُنَاك سَببٌ ثَانٍ -رُبَّما كَان الأَهم- يَدفع الإنسَان إلَى كِتَابة مُذكَّراته، فبَعد عُمرٍ مُعيَّن تَتقلَّص نَشَاطَات الإنسَان، ويَبدَأ الفَراغ يَلعب بالأعصَاب، ولتَفَادي هَذه الآفَة، يَبدأ الإنسَان بالكتَابة، آملاً أَنْ تَملأ وَقته، وتُبعد عَنه الضَّجر بانتظَار الآخرَة، ولَنَا حَديث مُسهب عَنهَا فِي فَصل الشَّيخَوخَة)..!لَا يَبدو أَنَّ هَذه الإجَابَة كَافية، فأَنَا أَعتَقَد -والعِلم عِند الله- أَنَّ الهَدَف مِن كِتَابة السِّيرة يَتعدَّد بتَعدُّد الكُتَّاب، فهُنَاك مَن يَكتب سِيرته ليَقول: «شُكرًا» لمَن سَاعدوه، وهَذه تُمثِّلها سِيرة الفَنَّانة الإنجليزيَّة «كاثرين جنكينز»، التي نَشرتها بعنوَان: «Time to say hello»..!وهُنَاك مَن يَكتب سِيرته؛ حَتَّى يُصفِّي حِسَابَات مَع النَّاس، ويَدَّعى مَا لَم يَفعل، ويَفعل مَا لَا يَقول، ويُسيء لمَن نَافَسوه فِي الفَلَاح والصَّلَاح والنَّجَاح، وهَذه الفِئَة لَن أَضرب عَليها مِثالاً، لأنَّها كَثيرة ومُنتَشرَة، هَذا مِن نَاحية. ومِن نَاحيةٍ أُخرَى فهي مَنطقة حَسَّاسة، لَو اقتَربتُ مِنهَا قَد يَنفَجر فِي وَجهي لَغمٌ فِي أَيِّ لَحظَة..!حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!بَقي أَنْ أَقول: السِّيرَة تَتلوَّن بلَون صَاحبها، وتَتعدَّد الأهدَاف بتَعدُّد كُتَّابها، لذَلك تَأكَّدوا أَنَّ كُلَّ كَاتب سِيرة؛ لَه «رَسَائِل يُريد أَنْ يُمرِّرهَا»، سَواء فَهم ذَلك القُرَّاء والقَارِئَات أَم لَا؟!

أخبار ذات صلة

إدمان السعوديين والمقابر الإلكترونية!
الشَّفط الفظيع في الشفا البديع..!!
أبراج المراقبة والسلامة الجوية
عباءة الدِّين أصبحت مشاعة!
;
حيرة و(تيهان) حول (هياط) ابن كلثوم
الأكذوبة الكبرى التي يعيشها العالم اليوم!
تخطيط القلب
«القواعد من النساء».. بيولوجيًّا أو اجتماعيًّا؟!
;
إذا تبغون سعودة حقيقية؟!
الفتى الطائر في جامعة الأعمال
حرِّر تركيزك.. لتُتحرِّر شخصيتك
طريق الفيل: أثر «الأحلام» الخائبة (2)!
;
الرؤساء التنفيذيون.. ومُلَّاك الأسهم
المشجع التَّابع.. و«أم الصبيان»
النفس.. إلى وطنها توَّاقة
المتحدِّث الرسمي!!