أيهما أهم: تعليم الفنون أم العلوم والرياضيات؟!



• من أكبر الأخطاء الإستراتيجيَّة، التي وقع فيها منظِّرو الاتحاد السوفييتي السابق -وكانت سببًا مهمًّا من أسباب سقوطه المريع- التدخُّل الجائر في سياسات التَّعليم، وتوجيهه نحو الاقتصاد، والعلوم العسكريَّة تحديدًا، بعد تفريغه من معظم المضامين الروحيَّة والإنسانيَّة، وتجاهل، بل وتحريم دراسة الأديان، وتهميش معظم الفنون والعلوم الإنسانيَّة؛ ممَّا أخرج أجيالاً من المواطنين والقادة السوفييت، الذين يؤمنون بمبادئ القوَّة والمال، والقادرين على صناعة القنابل النوويَّة والهيدروجينيَّة، لكنَّهم على الصعيد الإنساني والروحي يفتقرون لأبسط قواعد التعامل، والتعايش الإنساني، والإحساس -حتَّى فيما بينهم- بمشاعر المحبَّة والخير وجماليَّات الحياة.. وكأنَّهم يعيشون في بيوتٍ من المرايا التي لا يرون فيها إلاَّ أنفسهم!.


• وبعيدًا عن الدخول في إشكاليَّة مصطلح (الفن)، واللَّبس القديم حول هذا المصطلح، أقول: إنَّ الاهتمام بالعلوم التطبيقيَّة أمرٌ مطلوبٌ بالتأكيد، خصوصًا في ظل التنافس العالمي المحموم في مجالات الاقتصاد والصناعة، لكن هذا الاهتمام يجب أن لا يطغى أبدًا على الفنون والتاريخ والعلوم الإنسانيَّة (الأدب، الرسم، النحت، المسرح، .... إلخ)، خصوصًا عند الأمم والشعوب الباحثة عن نهضة شاملة، ومتوازنة، ومستدامة، تراعي النمو الفكري والوجداني للمجتمع، كما تراعي نموّه العلمي والاقتصادي، لهذا يرى بعض المفكِّرين أن تعليم الآداب والفنون والعلوم الإنسانيَّة ربما يكون أكثر أهميَّة، وأشد ضرورة من العلوم التطبيقيَّة عند بعض المجتمعات النامية، فالإنسانيَّات لا تساعدنا فقط على التعرف على ذواتنا، واستحضار تاريخنا، بل تساعد أيضًا على توسيع واستصلاح حقول الإنسانيَّة في دواخلنا، من خلال التفريق بين الخير والشر، بين الجمال والقبح، مع نبذ حتمي لكلِّ نوازع التخلُّف والتعصُّب والأنانيَّة.

• أتفهَّمُ جدًّا انسياق وزارة التَّعليم لدينا نحو التوسُّع في المسارات العلميَّة، فهذا توجُّه تفرضه قواعد اللهاث خلف أحلام التطوير والتحديث، لكنَّني في الوقت نفسه ضد التضييق على المسارات الأدبيَّة، وضد تهميش الإنسانيَّات والفنون في التَّعليم، خصوصًا ونحن نعيش ونعايش كلَّ هذا التطرُّف والإرهاب الجاهل، الذي يكاد يطغى على كامل المشهد في المنطقة.. والذي أجزمُ أنْ لا علاج له إلاَّ بتكثيف مساحات الجمال الإنساني في النفوس، وإعادة غرس بذوره في مدارسنا من جديد، بعد كل هذا الجفاف، فالفنونُ متطلَّبٌ مهمٌ لنضج فكر المجتمعات، واستظهار خيريتها المطمورة بركام المادَّة، والنجاح الحقيقي لأيِّ منظومة تعليميَّة يكمن في قدرتها على الدمج بين العلوم والفنون والإنسانيَّات. لقد تجاوز التاريخ الكثير من الأمم الغازية رغم قوَّتها، لكنَّه يحتفظ حتَّى اليوم بسجَّلات خالدة لفنون وآداب عرب الأندلس، وفناني روما، وفلاسفة وشعراء اليونان، التي ساهمت في زمانها في نهوض أوروبا من تخلُّفها، والتي مازالت تُشكِّلُ تراثًا ملهمًا تنهل منه البشريَّة حتى اليوم.


• الإبداع العلمي قد يتحقَّق في البيئات العلميَّة الجافَّة، لكنَّه لا يمكن أنْ يؤتِي أُكلَه إلاَّ في مناخات إنسانيَّة تحترم الإنسان، وتُقدِّر الحياة، وتتفهَّم المعنى الخيِّر لعمارة الأرض.

أخبار ذات صلة

عندما تُخطئ.. لن تنفعك نواياك الطيبة
أمين كشميري.. الرَّجلُ المهذَّبُ
الأمن.. والفقر.. والفساد..!!
السيناتور وغزَّة.. والولد الصَّغير!!
;
عضوية فلسطين في هيئة الأمم.. أحقية قانونية
الحركة المرورية.. وأهل المدينة!!
الأعرابُ.. وردُّ الجوابِ..!
هل التجنيد العسكري هو الحل؟
;
حصاد الخميس..!!
أهالي شدا الأعلى والتعاون المثمر
خيارات المسيَّر: ملكوت الشعر وجنونه
علامات بيولوجية جديدة للكشف عن السرطان
;
معيار الجسد الواحد
قراءة.. لإعادة هيكلة التعليم وتطويره في بلادنا
دراسة الرياضيات
«يا أخي الهلاليين لعيبة»!