إمعان الجحوظ في تأويلات الحظوظ!

الحَظُّ مُصطَلح لَا مَفهوم لَه، فمِنهم مَن يَعتبره «سُوء طَالِع»، ومِنهم مَن يَربطه بـ«التَّوفيق»، وثَالِث يُرجعه لـ«النَّصيب» و«المَكتوب».. وهَكَذَا لَا يُمكن تَحديد مَفهوم لهَذا المُصطَلَح العَائِم، لهَذَا كُلّه، دَعونا نَفتَح ذَلِكَ البَاب فِي هَذَا المَقَال، لمُحَاولةِ فَهم مَعنَى الحَظّ..!

عُلمَاء الاجتمَاع يَنظرُون إلَى الحَظّ؛ عَلَى أَنَّه شَيءٌ نَفسي، مُرتَبط بالنَّفس أَكثَر مِن ارتبَاطه بالوَاقِع، ومِن هَؤلاء العُلمَاء، عَالِم الاجتمَاع العِرَاقي المَعروف الدّكتور «علي الوردي»، حَيثُ يَقول: (سُوء الحَظّ هو عُقدَةٌ نَفسيَّة)..!


والعَاجِز دَائِماً يَرمي تَقصيره عَلَى الآخَرين، وأَحيَاناً يَضعه عَلَى القَدَر، وأَحيَاناً يُوجِّه اللَّوم للمُجتَمَع، وأَحياناً يُوجِّهه للظّرُوف، وفِي ذَلك يَقول العَالِم الكَبير «مصطفى محمود»: (سَلّة القمَامَة التي نُلقِي فِيهَا بكُلِّ أَفعَالِنَا؛ هي كَلِمَة «قِسمة ونَصيب»)..!

فالحَظّ يَتدخَّل فِي أَشيَاءٍ كَثيرة، ولَكن هُنَاك أَشيَاء لَا يُمكن أَنْ يَصل إليهَا الحَظّ، فمَثلاً التَّصَالُح مَع الذَّات، هو عَمليّة تَوازُن نَفسِي، مَتَى مَا التَزَم بِهَا الإنسَان، تَصَالَح مَع نَفسه، ولَن يَكون للحَظِّ أَي عَلَاقَة بذَلك، وقَد فَطِنَ إلَى هَذه الجُزئيّة الفَيلسوف «ماترلينك» فقَال: (كَثير مِن المسرَّات والمَصَائِب؛ يُمكن أَنْ يَتسبَّب فِيهَا الحَظّ، لَكن سَلامنَا الدَّاخِلي؛ لَا يُمكن للحَظِّ أَنْ يَحكمه)..!


أَكثَر مِن ذَلك، إذَا رَأَى المُجتَمع أَحداً نَاجِحاً؛ لَا يَعتَرف بنَجاحه، ولَا يَنسب هَذا النَّجَاح إلَى قُدراته ونَشَاطه، بَل يَنسبه إلَى الحَظِّ، حَتَّى يُريح نَفسه، ويُؤكِّد أَنَّ النَّجَاح حَليف الأَغبيَاء والحَمْقَى، وهَذَا المَعنَى انتَبَه إليهِ الفَيلسوف «تيرنر» حَينَ قَال: (الحَظُّ يَختَار الحَمْقَى، ويَكون إلَى جَانبهم)..!

ومِن الغَريب أَنَّ الحَظّ؛ يَكون فِي الخَير وفِي الشَّرِّ، ونَحنُ نَعرف كَيف يَأتي الحَظّ بالخَير، ولَكن كَيف يَكون الحَظّ شِريراً؟.. هَذا سُؤال يُجيب عَنه الأَديب «سوفوكليس» بقَوله: (طُغيَان الحَظّ المُتقلّب؛ أَكبَر شرُور البَشريَّة عَلَى الإطلَاق)..!

والسُّؤال الذي يَطرح نَفسه هُنَا: هَل الحَظّ يَقف مَع الأَغبيَاء؛ أَم مَع الأَذكيَاء؟!.. هَذا سُؤالٌ بَسيط، أَجَاب عَنه الأَديب «جون ديوي» قَائِلاً: (الحَظّ، سَواء كَان حَسناً أَو سَيِّئاً، دَائماً مَا سيَكون مَعنَا، لَكنَّه غَالِباً مَا يَميل إلَى الذَّكي، ويُدير ظَهره للغَبي)..!

حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!

بَقي القَول: قَرأتُ مُنذ سَنوَاتٍ عِبَارة لـ«ابن المقفّع» يَقول فِيهَا: (السّعد خَادم الشُّجعَان)، والمُرَاد بالسَّعْد هُنَا الحَظّ، ثُم وَجدتُ نَفسي أَتسَاءَل مُؤخَّراً: لِمَاذَا يَنجح الشُّجعَان؟.. حَاولتُ أَنْ أَبحَث عَن الإجَابَة، فوَجدتُ أَنَّ الشُّجَاع مِقدَام، والمِقدَام دَائِماً يُلاحقه حَظّ النَّجَاح، وفِي ذَلك يَقول الأَديب «تيرنس»: (الحَظُّ يُسَانِد الشُّجعَان)..!!

أخبار ذات صلة

عندما تُخطئ.. لن تنفعك نواياك الطيبة
أمين كشميري.. الرَّجلُ المهذَّبُ
الأمن.. والفقر.. والفساد..!!
السيناتور وغزَّة.. والولد الصَّغير!!
;
عضوية فلسطين في هيئة الأمم.. أحقية قانونية
الحركة المرورية.. وأهل المدينة!!
الأعرابُ.. وردُّ الجوابِ..!
هل التجنيد العسكري هو الحل؟
;
حصاد الخميس..!!
أهالي شدا الأعلى والتعاون المثمر
خيارات المسيَّر: ملكوت الشعر وجنونه
علامات بيولوجية جديدة للكشف عن السرطان
;
معيار الجسد الواحد
قراءة.. لإعادة هيكلة التعليم وتطويره في بلادنا
دراسة الرياضيات
«يا أخي الهلاليين لعيبة»!