كتاب

رحلة طيف إلى طيبة

لكلِّ مرحلة من مراحل العمر جمالها ورونقها، ومرحلة ما بعد الستِّين، مذاقها مختلف وعطاؤها ممتع، ففيه تستعيد الذاكرة ما مضى من مراحل الطفولة والصبا والشباب، والحي الذي وُلِدنا فيه، والأصحاب الذين تبادلنا معهم الودَّ بالودِّ والحب بالحب، وأماكن العمل الذي مارسناه لكسب المعيشة.. نتذكَّر من كان عونًا لنا وسندًا بعد المولى تعالى.

ومن قدر له النشأة في طيبة الطيِّبة لابد من أن يسرح بطيفه اليوم إلى شارع العينيِّة وسويقة، وسوق القماشة الموازي له، فالمناخة في نهاية باب المصري، وشارع العينيَّة -لمن حضره قبل هدم المحال فيه، وإضافة أرضه إلى الحرم- كان ممتدًّا من ميدان باب السلام شرقًا إلى شارع المناخة غربًا، وبين سوقي الشروق جنوبًا وسوق القفَّاصة شمالًا.. وقد يتذكَّر المتقدِّمون في العمر مطابع جريدة المدينة فيه التي أسَّسها أديب المدينة ومؤرِّخها السيِّد علي حافظ.. وكان شقيقه السيِّد عثمان حافظ رحمهما الله مشرفًا على تنضيد أحرف ما ينشر في الجريدة من أخبار ومقالات.. ومن بعد، تحوَّل مكان المطبعة إلى أوَّل مطعم يقدم أطباق المأكولات الفلسطينيَّة والشاورما السوريَّة.. ومن ثمَّ إلى معرض للأدوات الكهربائيَّة والأجهزة المنزليَّة.. وبالقرب منه، استديو العشري للتصوير، ومقابله مركز البريد، وفي اتِّجاه الحرم، فرن عابد الذي كنَّا نتوقف عنده لتناول حبَّات من اليغمش والمنتو.. وبعده، وقفة عند مرطِّبات التركي لتذوُّق الدوندرما والاستمتاع بترديد العم محمود: (دوندرما بوظه بليمون، تعا لعندي يا حنون، دوندرما بوظة بحليب تعا لعندي يا حبيب).. ومن ثمَّ، نزول درجات شارع العينيَّة المواجهة لبابي السلام والرحمة لتذوُّق زبديَّة لبن رايب من عند العم عبدالشكور.


وبهذا، نكون قد مررنا على أكبر سوق تجاري يوازي الأسواق العالميَّة هذه الأيَّام، يعرض آخر منتجات مصانع العالم من الملبوسات والأقمشة والهدايا والساعات وأجهزة راديو وتسجيل، وأدوات منزليَّة إلى جانب أدوات التجميل النسائيَّة خاصَّة، والأدوات القرطاسيَّة والدفاتر والكتب والمجلَّات التي توزِّعها مكتبتا النمنقاني والميرزا.. وكذلك كلَّ متطلَّبات المناسبات والأفراح من الكسوة والزينات والحلويات من دكِّان الشيخ سليمان مراد.

في أيَّام المواسم الدينيَّة، كان شارع العينيَة يتحوَّل إلى مسرح للفنون الشعبيَّة يقف على خشبته زوَّار الحبيب نبيِّنا الكريم عليه الصلاة والسلام القادمون من أرض الكنانة.. يترجَّلون من الحافلات في المناخة، متوجِّهين منها إلى شارع العينيَّة، وهم يرقصون، وينشدون الموشَّحات الدينيَّة ونساؤهم تصدح بالزغاريط.. كان كلُّ فوج منهم يستغرق قرابة الساعة لقطع مسافة ثلاثمئة متر، يصلون بعدها إلى باب السلام، فيدخلون منه بأدب وخشوع إلى الحرم حتَّى المواجهة الشريفة مسلِّمين على سيِّد الخلق، نبيِّنا الكريم وعلى صاحبيه خليفتيه سيِّدنا أبي بكر الصديق وسيِّدنا عمر بن الخطَّاب.. ومن بعد يأخذون أماكنهم في الروضة ما بين المنبر والمواجهة، فيصلُّون وداعين الله


تحقيق بما في صدورهم من دعاء ورجاء.. ثمَّ يخرجون من باب جبريل ليواجهوا بقيع الغرقد، فيسلِّمون على من فيه من آل البيت والصحابة، ومن سبقونا إلى دار الخلود

رحلة، أعود معها وبها في ضحى كلِّ يوم حنينًا لطيبة الطيِّبة، ولمن فيها من الأهل والأحباب.. ومن بعد، يأخذني الطيف إلى بيت العائلة في المدينة المنوَّرة، فإلى حاراتها وأزقَّتها وأسواقها وبوِّابات سورها القديم.. رحلة طيف، تتبعها رحلات عديدة على أمل أن يتحوَّل الطيف إلى حقيقة، وأشاهد بأمِّ العين المدينة المنوَّرة في حلَتها الجديدة كما تظهرها وسائل الإعلام المرئيَّة.

أخبار ذات صلة

إدمان السعوديين والمقابر الإلكترونية!
الشَّفط الفظيع في الشفا البديع..!!
أبراج المراقبة والسلامة الجوية
عباءة الدِّين أصبحت مشاعة!
;
حيرة و(تيهان) حول (هياط) ابن كلثوم
الأكذوبة الكبرى التي يعيشها العالم اليوم!
تخطيط القلب
«القواعد من النساء».. بيولوجيًّا أو اجتماعيًّا؟!
;
إذا تبغون سعودة حقيقية؟!
الفتى الطائر في جامعة الأعمال
حرِّر تركيزك.. لتُتحرِّر شخصيتك
طريق الفيل: أثر «الأحلام» الخائبة (2)!
;
الرؤساء التنفيذيون.. ومُلَّاك الأسهم
المشجع التَّابع.. و«أم الصبيان»
النفس.. إلى وطنها توَّاقة
المتحدِّث الرسمي!!