كتاب

إعلامنا.. بين الصحوة والتنوير

عندما يصف أحدهم نفسه أو فكره بأنه صحوي أو تنويري، فإني أتحسَّس عقلي فوراً، حيث إن كلاً منهما (في مجتمعاتنا) يرى بأنه يمتلك الحقيقة المطلقة، وأن كل مَن يخالفه هو ضال ومنحرف. ومع انحسار الصحوة البائدة، فإنه لا أحد قطعاً يرغب في دخول المجتمع في فك وحشٍ آخر، وهو ما يمكن تسميته «تطرف التنوير»، فالتنوير بمفهومه المعتدل ليس مخيفاً، بل على العكس من ذلك، وما يجعله مخيف هو محاولة البعض توظيفه بشكلٍ متطرف لفرض فكرهم بشكل شمولي لا يقبل الاختلاف.

والتنوير بإيجاز هي حركة فكرية وفلسفية بدأت في أوروبا في القرن الثامن عشر، وتتضمن مجموعة من الأفكار التي تركز على سيادة العقل على الحواس، بوصفها مصدراً أساسياً للمعرفة وللقيم والمثل والأخلاق. وعرفها «مانويل» بأنها «خروج الإنسان من قصوره بحق نفسه، وهو القصور المتمثل في عجزه عن استخدام عقله، إلا بتوجيه من إنسان آخر».وبهذا الصدد، فقد نبهتُ في كتابي: (الدبلوماسية العامة، 2019) إلى حقيقة أن الإعلام السعودي تعرض هو نفسه خلال فترة ما يسمى بالصحوة، لحملات ممنهجة تهدف إلى تشويه صورته والإساءة إليه من قبل أشخاص أو مجموعات ذات توجهات فكرية حزبية معينة. هذه الحملات لا يمكن التقليل من شأنها أو تأثيرها، فقد عمل بعضها على مدى عقود لترسيخ صورة سلبية عن ذلك الإعلام لدى شريحة من المجتمع، كما تمكَّن من نشر تصوّرات مسيئة عن بعض أقوى وأهم وسائل الإعلام السعودية، ونحن نذكر جميعاً عبارات كان يتم تداولها لهذا الغرض مثل: «خضراء الدمن» و»العبرية» و»الوثن» على سبيل المثال، وأحد أهداف تلك الحملات كان بطبيعة الحال هو ضرب إعلامنا الخارجي قبل الداخلي، وإضعاف تأثيره ومصداقيته لدى الناس، وهو أمرٌ لا ينبغي السماح بحدوثه.


وأضفتُ قائلاً في نفس الكتاب: «وكما أن فترة ما يسمى بالصحوة سعت إلى تشويه الإعلام السعودي وجذبه نحو التشدد بشكل متطرف، فإن تلك الفترة صاحبها لحد ما، وخَلَفَهَا توجه آخر معاكس نظرت إليه شرائح متنوعة من المجتمع؛ بأنه لا يراعي هوية المجتمع وقيمه وعاداته السوية.

هذا التجاذب المتطرف نحو اليمين ونحو اليسار، أفقد الإعلام لعنصر القبول والاحترام المجتمعي، وذلك من قِبَل الكثير من الأطياف والشرائح التي أصبح كل منها يرى أن الإعلام لا يمثله.


وسبق لي أيضاً أن أشرت مراراً إلى أن ممارسة النقد الإيجابي أصبحت تواجه لدينا بمقاومة شرسة، يسعى من خلالها بعض الكتاب والمثقفين لمنح بعض وسائل إعلامنا قدسية وحصانة من النقد، لا تتوانى عن استدعاء أوصاف ترهيب للناقدين من قبيل «متخلف، متطرف، صحوي»، وغيرها. والمقلق هو أن هذا الأسلوب ليس جديداً علينا، فقد مارسه طويلا -وإن اختلفت الأيدولوجيا والعبارات- جيل الصحوة أنفسهم عبر دعاوى التكفير، ومزاعم «اللحوم المسمومة» لكل مَن يخالف آراءهم وأفكارهم.

أخبار ذات صلة

عندما شعرتُ أنَّني Homless..!!
مِن أفكارِ «فرويد»
الشباب.. عند مفترق الطرق
مرضى غيَّروا مجرى التاريخ!
;
قاتل الخلايا وكاتم الأنفاس.. ليس مجرمًا!!
النقل.. وإكمال الطرق!
شوارع من دون (حُفر).!
يا أمان العالم من جينات يهود!!
;
معالي الوزير يستمع لنا
برامج العُلا.. تتحدَّى الوقت
أسئلة بلا إجابات.. لأهل التوكات!!
خُطب الجمعة.. ودورها التوعوي
;
الإدارة العامة للمرور.. هل من بدائل؟
الطابوران..!!
الشكر والامتنان لـ(#قوة_الآن)!
إدمان السعوديين والمقابر الإلكترونية!