الانتخابات وسارة والأدلجة
في مؤتمر من مؤتمرات الفكر العربي خارج المملكة جمعتني الصدفة على طاولة الغداء بالأمير تركي الفيصل وبسيدة أمريكية اسمها الأول سارة عرفتني بنفسها على أنها مسؤولة حقوق الإنسان العالمية في الشرق الأوسط وأعطتني بطاقتها حيث تقيم في نيوريوك ثم بدأت تتحدث عن الديمقراطية وأهمية وجودها في الشرق الأوسط عن طريق الانتخابات ووجدتها فرصة لمناقشتها قائلاً سأعطيك تصوري عن الانتخابات.. وقلت لها أن أكبر خطأ في الديمقراطية بطريقتكم أنها تساوي بين الناس في الفهم والقدرات والعطاء للجميع مع أن الله سبحانه وتعالى خلقنا مختلفين ثم جعل لكل واحد موقعا في هذه الحياة حسب جدّه واجتهاده وتعلمه وكفاحه فهل يعقل أن يكون صوتك ياسارة في الانتخابات وأنتِ قانونية متخرجة من جامعة متقدمة مساويا لصوت أحد الضائعين في الشوارع بلا سكن ولا مأوى بعد أن أهمل نفسه ليتخذ قرارا في اختيار رئيس دولة أو حزب أو عضو في كونجرس أو مجلس بلدي بحيث يكون هذا الشخص الذي أختاره مؤثرا في قيادة البلد ..فهل هذا عدل وهل هذا نظام سليم...؟ وأضفت بأن أول تجربة لي في أميركا عندما وصلتها للدراسة أن صادف وقت أنتخابات وأن الحزبين المتنافسين يتسابقان على التقاط البسطاء والمعوزين والضعفاء من الشوارع والأحياء الفقيرة بحافلات ثم يبدأون بتوزيع الطعام وبعض المبالغ المادية لكي يذهبوا ليصوتوا لفلان أو علان فهل هذه هي الانتخابات التي تريدون .؟.. واضفت هل العالِم في ناسا أو الباحث في هارفارد أو الإعلامي القدير في سي إن إن أو الجراح الماهر في جونز هوبكنز أو رجل الأعمال الناجح يعادل في صوته الموظف البسيط أو الفاشل أو الكسول أو الذي لم يقدم لمجتمعه شيئا قالت هذه تفرقة... قلت بل هذه عدالة والذي أراه أن يكون هناك لجنة من أعلى سلطة في الدولة مثل المحكمة العليا بحيث يكون للأعلى تميزاً الصوت بخمسة أصوات ثم الذي يليه بأربعة ثم الذي يليه بثلاثة وهكذا حتى تصل للشخص العادي... فقالت مرة أخرى فكرة تستحق التأمل... وبقيت أكرر هذه الفكرة إلى أن قرأت دعوة معالي الأستاذ عبدالرحمن الدهمش رئيس اللجنة العامة للانتخابات بأن المشاركة في الانتخابات مسألة وطنية... وأستغرب أن تقحم الوطنية في موضوع كهذا ذلك أننا نطبق تجربة غربية ..وطريقتنا في الاختيار المبنية على أهل الحل والعقد والشورى الإسلامية أثبتت كفاءتها دون سلطة المال أو الادلجة... والتجربة السابقة محزنة فقد خرجت من منزلي لكي أرشح المهندس المتميز والإداري الأكاديمي المتمكن والذي أرى أنهم سيخدمون المجلس البلدي ففوجئت أن قائمه معينة اكتسحت الأصوات لأشخاص ليس لهم علاقة بالإدارة والهندسة والشئون البلدية بل لمجرد الادلجة وقوائم التزكية وهذه هي النتيجة.. مجرد فرقعة كلامية ورغبة في فرض أفكار معينة على حساب المصلحة... ولهذا فإن التنمية المتميزة في بلادنا ليست بحاجة لاستقطاب أفكار غربية بل علينا استنباط طريقتنا في الاختيار والتعيين وقد رأينا كيف أخرت الادلجة والفكر السياسي بعض الأوطان العربية وقد سبق وأن بيّن ذلك سمو النائب الثاني في مقابلته المعروفة لجريدة السياسة الكويتية... لهذا ينبغي أن تبقى لنا خصوصيتنا التي عادت على وطننا ولله الحمد بالأمن والأمان والاستقرار الذي يحسدنا عليه الآخرون إن فكرة الانتخابات الغربية ليست بالضرورة هي الوسيلة المثلى لاختيار الأفضل والدليل الانتخابات السابقة وماذا استفدنا من المجالس البلدية المنتخبة السابقة .؟ *ومضة: من أجمل مافي زيارتي لأبها وحضوري جائزتها عودتي للكتابة في المدينة عبر حوار جميل مع رئيس تحريرها المتألق المهذب فهد آل عقران حيث أعتز بفترة كتابتي للمدينة لسنوات تزامنت مع فترة الإرهاب البغيض وكان نتاجها كتابي (هذا البلد الأمين )... والفخر كل الفخر أن يكتب الكاتب في جريدة تحمل اسم مدينة المصطفى صلوات الله عليه وسلامه فأهلاً بقراء المدينة وأرجو أن أكون مسهماً بما يفيد ويناسب تطورها ونهضتها الجميلة