كتاب

الأغوات.. دلالات في ذاكرة التاريخ

مع الفتوحات الإسلاميَّة وانتشار الإسلام، بدأ التَّفكيرُ الجديُّ بضرورة العناية بأمور الكعبة والمسجد النبويِّ، التي كانت تخضعُ لاجتهادات فرديَّة، يقوم بها النَّاسُ من خدمات ونظافة، واستمرَّ هذا الأمر حتَّى عهد سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حيث اتَّخذ حرَّاسًا وعمَّالًا يقومون بالخدمات المطلوبة، ومع الزمن واشتداد الفتن، خشي السلطانُ نور الدين زنكي على القبر الشَّريف، وقبرَي صاحبيه من السَّرقة؛ ممَّا استدعى إرسال عشرة من الخدم الطواشي الخصيان إلى المدينة المنوَّرة؛ لكي يكونُوا سدنةً لقبر النبيِّ -عليه الصلاة والسلام-، وكانت هذه هي البداية لعهد أغوات الحرم.

تبعه في ذلك صلاح الدِّين الأيوبي، الذي أرسل منهم أربعة عشر آخرين، وقد عُرف الطواشي -فيما بعد- بالأغوات، وهي في معارف أهل العلم بمعنى الخصيان، وهم الموقوفُون لخدمة الرَّوضة الشَّريفة والقبر الشَّريف.


وقد وجد هذا الأمر بعض المعارضة من قِبل بعض السَّلاطين والفقهاء، ومنهم جلال الدين السيوطي، وغيره، لكنَّ الأمر مضى؛ لأنَّ الأغوات أطهرُ وأنزهُ وأبعدُ عن دنس الجنابة، وما يُشاع عن زواج بعضهم إنَّما كان لإيجاد مَن يرعاهم في المنزل، وعند كبرهم في السِّنِّ في ودٍّ ورحمةٍ.

لقد استمرَّ إرسال الأغوات الأحباش إلى الحرم النبويِّ الشريفِ على مدى العصور المختلفة، من قِبل الأمراء والسَّلاطين، ويُقال إنَّهم كانُوا يدورُون في فلك الثَّمانين أغًا. ومع مرور الزَّمن، استجدَّت أمورٌ وشروطٌ عديدةٌ، ومنها على سبيل المثال، أنَّ رتبة أغا لا ينالها إلَّا مَن أمضى سبع سنوات متواصلة.


والأغوات يصفهم ابن بطوطة بأنَّهم على هيئاتٍ حِسانٍ، وصورٍ وملابسَ جميلةٍ (زي موحَّد)، وكبيرهم يُعرف بشيخ الحرم.

وللأغوات مكانٌ خاصٌّ يجلسُون فيه في المسجدِ النبويِّ، ويُسمَّى دكَّة الأغوات، بالقرب من مكان (أهل الصُّفَّة)، ولهم مكانتهم الاجتماعيَّة؛ كونهم خُدَّامًا وكُنَّاسًا للحجرةِ النبويَّةِ الشَّريفة، وللأغوات أوقافٌ معروفةٌ في مكَّة والمدينة، توزَّع غلالها عليهم، فضلًا عن المخصَّصات الشهريَّة من قِبل الدولة.

والملكُ المؤسِّسُ -يرحمه الله- أصدر توجيهًا يمنعُ أيَّ أحدٍ من التَّدخل في شؤونهم، وأنَّهم على ما هم عليه من ترتيبٍ ونظام، واستمرَّ الملوكُ من بعده على النهج نفسه من العناية بهم، رغم أنَّ مهامَّهم قد تقلَّصت.

ويروى أنَّ الفتوى التي أصدرها الشيخ ابن باز، كانت تحضُّ على عدم تشجيع الاعتداءِ على الغيرِ؛ بهدف الوصول إلى شرفِ الحصول على خدمة الحرمَين، وذلك بعد شيوع إخصاء الأبناءِ من أجلِ إرسالهم كأغواتٍ.

ثمَّ صدرت الأوامرُ بعدم استقدام أغواتٍ جُدد، وانقرض معظمُهم، ولم يبقَ منهم سوى ثلاثة يتمتَّعُون بما خُصِّص لهم، ويشاركون بالاحتفاءِ بالملوكِ، ورؤساء الدولِ عند زيارتهم للحرمَينِ الشَّريفَينِ.

أخبار ذات صلة

إدمان السعوديين والمقابر الإلكترونية!
الشَّفط الفظيع في الشفا البديع..!!
أبراج المراقبة والسلامة الجوية
عباءة الدِّين أصبحت مشاعة!
;
حيرة و(تيهان) حول (هياط) ابن كلثوم
الأكذوبة الكبرى التي يعيشها العالم اليوم!
تخطيط القلب
«القواعد من النساء».. بيولوجيًّا أو اجتماعيًّا؟!
;
إذا تبغون سعودة حقيقية؟!
الفتى الطائر في جامعة الأعمال
حرِّر تركيزك.. لتُتحرِّر شخصيتك
طريق الفيل: أثر «الأحلام» الخائبة (2)!
;
الرؤساء التنفيذيون.. ومُلَّاك الأسهم
المشجع التَّابع.. و«أم الصبيان»
النفس.. إلى وطنها توَّاقة
المتحدِّث الرسمي!!