Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. أحمد بن داود المزجاجي

الصداع الأليم

A A
عندما كنت في سن المراهقة عانيت من صداع شديد انتابني لسنوات، واحتار والدي -رحمه الله- من حالتي المؤلمة إذ أخذني إلى عدد من العيادات الخاصة الموجودة في باب مكة بجدة.. وأخذني أيضاً إلى المستشفى الحكومي في باب شريف، واحتار كل الأطباء في معرفة أسباب ذلك الصداع الشديد بالرغم من كل التحاليل التي أجروها لي دون فائدة.. وجاء أحد أصدقاء الوالد، واقترح عليه أن يعرضني على أرقى مستشفى في جدة وقتها وتكاليفه مرتفعة، وهو المستشفى اللبناني جوار فندق الكندرة، وبقيت في رعاية أطباء المستشفى وعنايتهم عشرة أيام حتى خفّ كثيراً فسمحوا لي بالمغادرة.. ومكثت على هذا الحال الصعب يخفّ الصداع ويختفي أحياناً ثم يعود مرةً أخرى.. وفجأةً تذكّر والدي صديقاً وفيّاً له من أعيان جدة وهو معالي الشيخ محمد علي رضا -رحمه الله- الذي كان سفيراً للمملكة في مصر.. فذهبنا إليه، وشرح والدي حالتي الصحية وعرض عليه بعض التقارير، وأخبره بأني نظمت شعراً اشتكي فيه من صداعي.. فقال معاليه: هل يقول أحمد شعراً في هذا السن، فقال نعم، وطلب مني أن أقرأ عليه ما أذكره آنذاك، فقلت:

ليتَ ربي الذي يميتُ ويحيي

قد خلقْني جسماً من غير رأسِ

ضِقْتُ ذَرْعاً بعيشتي وحياتي

من صداعٍ أذابَ أنفاسَ نفسي

وعندها سأل معاليه والدي عن طلبه، فقال: أتمنى علاجه في مصر على نفقة الحكومة.. فاتصل في حينه بالقائم بالأعمال في السفارة السعودية، وأذكر اسمه حسين أشعري رحمه الله، وطلب منه مساعدتي مع والدي في الإقامة، والبحث عن أفضل طبيب باطني؛ لفحصي من الصداع الذي أشتكي منه.. ما أنبل معاليه وأكرمه رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.. وصلنا القاهرة، واستقبلنا في المطار مبعوث من السفارة، ونزلنا الفندق المخصص لنا، وذهبنا صباح اليوم التالي إلى السفارة للسلام على القائم بالأعمال وشكره لاهتمامه ورعايته، وذهبنا معاً إلى كبير الأطباء الاستشاريين في الباطنة وفحصني جيداً، ووصف لي دواءً لمدة يومين، ثم مراجعته بعدها.. فرجعنا إلى الفندق، وأخبرني أبي بضرورة زيارته للقائم بالأعمال عصراً.. فذهب إليه وعاد متأخراً إلى الفندق، وسأل عني فلم يجدني، فقال له أحد الموظفين بأنه رآني في حفل زفاف في الفندق، وأتى إليّ مستغرباً وقائلاً: هل ذهب الصداع مع الأغاني والرقص الذي أنت فيه؟ هيّا إلى الغرفة، وفي الغرفة سألني عمّا يمكن قوله شعراً، فقلت:

أحلَى من الشهدِ النقيّ حلاكِ

يا مَن تُباهي بالحلَى شفتاكِ

وعلَوْتِ حُسْناً فوق كل جميلةٍ

وسَمَوْتِ طُهْراً فوق كل مَلاَكِ

فغضب رحمه الله، وقال يجب مغادرة القاهرة غداً إن شاء الله (أبغاك يا ابني بصداعك)، واتصل بإدارة الفندق طالباً الحجز للسفر، واستغرب الأستاذ أشعري بسرعة العودة دون إكمال العلاج، وقمنا بزيارة أخيرة للطبيب ونصحني بتناول الدواء عند الحاجة باستمرار.

وهكذا تُولي حكومتنا الرشيدة عنايتها دائماً بالمواطنين، والمقيمين في كل الأزمات، والله هو الشافي.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store