روسيا بين عهدين (2)

قلت في مقالي الأسبوع الماضي بأن من الإنصاف أن نقول بأن روسيا «بوتين» هي غير روسيا «خروتشوف» من حيث الهيبة والقوة، وأوردت بعض الدلائل على ذلك، وأنهيته برؤية بوتين للسياسة، التي اعتمدها في مسيرته الناجحة.

يتحدث «بوتين» عن نفسه في مقال له نشره في إحدى الصحف الروسية قائلًا: «تتميز أهداف سياستنا الخارجية بطابعها الاستراتيجي وليس الانتهازي، ونواصل نهجًا نشيطًا وبنَّاء لتوطيد الأمن العام، ورفض المواجهة والتصدي الفعال للتحديات، مثل انتشار الأسلحة النووية والنزاعات والأزمات الإقليمية والإرهاب وخطر المخدرات».


وفي تقرير نشره المعهد الملكي البريطاني حول سياسة الرئيس بوتين جاء فيه، بأن بوتين اندفع بحماسة لتحقيق تكامل أوثق مع أوربا والغرب بشكلٍ عام خلال السنوات الثلاث الأولى لحكمه، غيّر توجهاته فجأةً وانصرف نحو بناء دولة قوية، واحتج على توسيع رقعة حلف «الناتو».

في روسيا الاتحادية اختفت مظاهر الشيوعية، ولم يعد هناك أي أثر لها سوى جملة كُتبت على حائط مبنى في شارع «فبرو دوبري سينكايا» تقول: (نحن نبني الشيوعية)، وظهر بدلها مظاهر أخرى لم يتعود عليها أجيال الحكم الشيوعي، فالشوارع مليئة بالسيارات المستوردة من أمريكا وأوربا واليابان وكوريا، وكان مُحرَّما دخولها، والقنوات الروسية الخمس تبث لمشاهديها المسلسلات الغربية مدبلجة باللغة الروسية، وكانت في يوم من الأيام جريمة عظمى، والمطاعم الغربية الشهيرة تنتشر في أنحاء موسكو، والطوابير أمامها بالعشرات، والزحام على أشده أمام المحلات التجارية التي تبيع للمستهلك البضائع الغربية، ولا ذكر للروبل، فالبيع بالدولار، والجنيه الاسترليني.


لاشك أن أي تحول من نظام اقتصادي إلى نظام آخر جديد تكون له مرحلة انعدام وزن يبني خلالها نفسه، فالنظام الاقتصادي السابق كان نظامًا شائكًا، لأنه كان يربط بين اقتصاد الجمهوريات ببعضها البعض، ولا يمكن أن تخرج صناعة إلى الوجود إلا بعدما تمر بأكثر من مرحلة، وهو ما أثَّر على اقتصاد روسيا حاليًا، وتدفع ضريبته ومعها الجمهوريات، التي انفصلت عنها، الأمر الذي دفع بروسيا أن تدرس فكرة العرض الأمريكي، الذي يتضمن مساعدة روسيا على إعادة تأهيل مصانع الإنتاج الحربي الكبرى، لتقوم بإنتاج سلع مدنية.

أسعار السلع في روسيا مشتعلة فوق الخيال، والغريب أن أسعار الصحف قابلة للتفاوض.. حينما وصلت موسكو بعد أن قطعت مسافة طويلة تربو على الـ50 كيلو من المطار إلى داخل العاصمة، وشاهدت مبانيها الشاهقة، تذكرت الوصف الذي أطلقه عليها الكاتب الروسي «يوري تريفونوف»، حينما قال: «يصعب أن تسمى موسكو مدينة، إن «ليننجراد» مدينة، وكذلك «كييف»، ولكن موسكو عالم بأكمله».. لقد كان «تريفونوف» مُحقًّا.

كانت البنايات السبع، التي بناها الأسرى الألمان في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ذات الطابع المعماري الفريد، أكثر ما يُميِّز موسكو، كما أن شوارعها الفسيحة تمتص الكثافة المرورية.

أخبار ذات صلة

التحريض على الفسق والفجور
أبلة زهرة.. ومدرسة «الفتاة»
العناية بالمواهب عبر التاريخ
أبناؤنا.. والإنترنت المظلمة!
;
ذاكرة المطوفات.. ‏إضاءات تاريخية مشرقة
مقرر الكتابة الوظيفية والإبداعية.. مهلًا!
محمد بن سلمان.. و «رؤية 2030»
رسائل مزعجة جداً!!
;
قبسات من رأس المال الاجتماعي.. والأسوة الحسنة
المملكة تعيد رسم خريطة التكامل الاقتصادي مع العراق
تعرَّف على نفسك !!
إيجاري.. والحاجة للتطوير
;
معكوســــــــة
الحوكمة في الأزمات
الزي الوطني.. هوية الأمة وعنوان حضارتها
لصوص (المساجد).!