ألبومنا المتشابه!

سرقَتْ عيني -عفا الله عني- وأنا في الطائرة الاقتصادية المتخمة بأوجاع المتزاحمين قبل التباعد وكورونا، سرقَتْ نظرةً خاطفة من جوال الراكب أمامي وهو يتصفح ألبوم الاستديو في جواله، فذهبت عيناي معه في رحلة سريعة ليومياته وذكرياته.. كل أسراره وبطولاته وخلواته، خباياه باتت مخزنة في ذاكرتي قبل أن تزجرني المضيفة لربط حزام الأمان، مع أن حالة التلاصق التي كنا عليها أقوى من أي حزام في حال الارتطام أو السقوط لا سمح الله!

أكثر ما أزعجني وأحزنني طوال الرحلة هو التفكير في ضعف مقدرتي على التمييز بين الصور الحقيقية والأخرى المزينة بالفلاتر، كيف أفرّق ما بين الحقيقي والمزيف، كما أن الاستديو الذي اقتحمته حوى مقاطع مكررة مرّت بجوالي وجوال صديقي ومجموعة العائلة أيضا لحادثة وقعت البارحة، وأزعم أن كل جوال في الطائرة حواها!


جوالي وجوال صديقي وذلك الغريب يحملون نفس المحتوى المكرر بنسبة كبيرة، نفس الملامح، نفس التقلبات، والدهاليز،.. الشلالات والمواعظ كل جمعة، وأشياء قبيحة و(...) تهبط علينا بالبراشوت ونتجاهل مصدرها عمدًا!

قبل غزوة الفلاتر، أيام ندرة الصور والتصوير حيث كانت اللحظة كنزاً! كان لكل ألبومٍ قيمته وندرته وفرادته.. كلّ ألبوماتنا اليوم متطابقة من حيث الفلاتر، والتقليد الممجوج (الأسنان واحدة بلمعانها الصناعي، الجوالات نفسها، الأماكن متشابهة لا روح فيها، السيارات من نفس الأنواع التي يتساوى في شرائها الفقير والمتوسط والغني، الابتسامات سريعة.. حتى أن الصورة نفسها تنطق أنها لحظيّة ومزورة)!


أتصور أننا نملك ألبومًا متشابهًا في كل الأجهزة يحمل نفس الصور، ومقاطع الفيديو، وقليل منها خاص، وكثير منها يُمرَّر يوميًا وكل ساعة ولحظة!

زُهدُنا في اللحظات الحالية وحرصنا على تصويرها كيوميات، يجعلنا نعود إليها على عجل في حالة ملل، في حين أن الخلاّط الذي نحتفظ به في جوالاتنا لمجموعة هائلة من الصور والفيديوهات -دون ترتيب غالبًا- يجعل أدمغتنا تضحك وتحزن وتنتشي وتملّ في لحظة واحدة مرتبكة.

نشترك في متابعة المشاهير، ونفس القنوات، صرنا قوالب جامدة يصبُّ فينا مصدر واحد تحرّكه أشباح!

هل تصوَرتُم حجم التطابق والتشابه بين ألبوماتنا وحيواتنا من حيث لا نشعر؟! ترفيهنا واحد؟ تسطيحنا واحد.. وعُمقنا -إن وُجد- واحد!

يبدو أننا فهمنا معنى (الوِحدة) خطأً!

وعلى سيرة العمق.. لا تتعمقوا كثيرًا في جوالات من هم بجواركم، كلنا متشابهون! وفي الحقيقة: جولتي في استديو مرافقي في الطائرة كانت محض خيال، عيني سقطت فقط على صورته التي يتأمّلها هو بزهو وإعجاب، ورفعتُها فورًا.. وشتان بين الصورة والواقع المفجع.. حيث لا فلاتر!

أخبار ذات صلة

الأمن و(رجاله)..!
قصَّة غشٍّ في جامعة البترول..!!
استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب
المعهد الوطني لأبحاث الصحة في جامعة المؤسس
;
الهيئة الملكية بينبع ومنجزات خمسين عامًا
أول رئيس جامعة أهلية.. غير سعودي
الحزام.. والنفق المظلم
قلق الوجودية
;
قمة البحرين.. والشعب الأعزل
عندما تُخطئ.. لن تنفعك نواياك الطيبة
أمين كشميري.. الرَّجلُ المهذَّبُ
الأمن.. والفقر.. والفساد..!!
;
السيناتور وغزَّة.. والولد الصَّغير!!
عضوية فلسطين في هيئة الأمم.. أحقية قانونية
الحركة المرورية.. وأهل المدينة!!
الأعرابُ.. وردُّ الجوابِ..!