كتاب

حول معاني الغباء

الغباء الاجتماعي، أمرٌ مُكتَسب في غالبه، فمدى النّباهة والفطنة لدى الإنسان، تخضعُ في مُجملها لعوامل وراثيّة، تتفاعل مع عوامل بيئيةٍ تربويةٍ تعليميةٍ ثقافيةٍ اجتماعية، فالإنسانٌ أسيرُ جماعته، يتأثّر بإيحاءاتهم الثقافية، وينصاعُ في الأغلب لتوجّه عقلهم الجمعي، ذكيّاً كان أم غبيّاً، وهناك إشاراتٌ تُعطي انطباعاً قوياً بأنّ الغباءَ (كالذّكاء) ينتقلُ بالعدوى، وأنّ مخالطةَ الشخص للناس الأغبياءِ عاطفياً واجتماعياً مرتبطةٌ بنقصِ قدرته العقليةِ والمعرفية، واضطرابِ ردود أفعاله المُناسبة للمواقف المُختلفة.

وأرى أنّ سلوكيّات وتصرّفات الغباء الاجتماعي، قد لا تكونُ أموراً سهلةً تلقائية، بل تستدعي قدرةً عقليةً على تجاهلِ الإشارات الواضحة، وطاقةً نفسية للتغافلِ عن الحقائق البسيطة، ومواجهةِ تعقيدات العالم بلا مبالاة، ودون الشّعور بالتوتّر والخطر أو الحاجة للفهم!. يقول (الجاحظ) في كتابه البُخلاء: «ومذهبُ «صحصح» في تفضيل النّسيان على كثيرٍ من الذّكر، وأنّ الغباء، في الجملة، أنفع من الفِطنة.. وأنّ عيشَ البهائم أحسنُ موقعاً من النفوس، من عيشِ العُقلاء».


أمّا كيف يُمكن أن يُصبح الناس أغبياءَ بهذا الشّكل الفظيع، فلا بدّ أن يكون نظامُ التربيةِ والتعليم لديهم غبياً جداً ومُؤدلجاً تماماً، لا يؤهّلهم للتفكير السّليم، ولا يجعلهم صالحين لمُمارسةِ الحياةِ بسلوكيّات إنسانيّة مُهذّبة منطقية. يقولُ الفيلسوفُ (برتراند راسل): «لا يُولَد البشرُ أغبياء، بل جهلة، ثمّ يجعلهم التعليمُ أغبياء».

ولعلّ القُدرة الفكرية والنفسية لأحدهم، تُقاس حقيقةً بمدى احتمالِه حجم الغباء وكيفيّة تعامله الأمثل مع الأغبياءِ من حوله. إنّ الغباءَ آفةٌ، والحماقةَ لعنة، وفي الغالب، نهايةُ العالم ستكونُ على أيدي الحمقى والأغبياءِ.. وليسَ الأشرار والأوغاد!. فالغباءُ -في رأيي- أخطر من الشرّ، فالشرّير ضرره واضحٌ محدودٌ أو عابرٌ، يُمكن توقّعه وتجنّبه، أمّا الغبيّ اجتماعيّاً، فضرره -والعِياذ بالله- خفيّ غزيرٌ لا حدود له، ولا يمكن اتّقاؤه أو التنبؤ به، ولو خُيّرتَ -لا سمح الله- بين الغباء والشرّ، فاختر الشرّ يا صديقي، فلعلّك تتوبُ منه، أمّا الغباء، فمرضٌ عُضال، وداءٌ لا يُرجى بُرؤه، وهو شرُّ في أصله وذاته!.


وختاماً:

من المُحتمل ألّا يكون الغباء بهذا القدْر من السُّوء، فمُلاحظاتُ كثيـرٍ من تفاصيل الأحداثِ والسّلوكيات والتصرّفات القبيحةِ وغيرِ المنطقية، قد يقودُ العاقل لاضطراباتِ مزاجٍ وقلق، لـهذا كان التجاهلُ والتغافلُ والتغابي مهارةً اجتماعيةً ضروريّة، وكما قال الطبيبُ والكاتب (أوليفر ويندل هولـمز): «كثيراً ما يـحمي الغباءُ صاحبَهُ مِن أن يُـجَنّ»!.

أخبار ذات صلة

دجاج ٦٥!!
الصورة الأصيلة
الجمال.. لا لغة له
(أهلاوي وزملكاوي)
;
الكاتب المكروه!!
من حكايات المـاضي
الحاج.. والمعتمر.. ونحن...!
#العمل_عند_نفسي..!
;
الإسعاف على الطريقة السعوديَّة..!!
الصين وكرة السلة
قراءة.. لإعادة هيكلة التعليم وتطويره في المملكة (2)
انحراف «المسيار» عن المسار!!
;
مشاهد غير واعية
جمعيات لإكرام الأحياء
هل أصبح ديننا مختطفًا؟!
حفر الباطن تحتفي بضيفها الكبير