كتاب

تداعي سمعة الغرب في أوكرانيا

خسائر المواجهة في أوكرانيا لن تكون بشرية ومادية فقط، ولكنها سوف تترك أيضاً ندوباً غائرة؛ يصعب إزالتها على سمعة الدول المشاركة فيها، وفي مقدمة تلك الدول بالتأكيد الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تشير معظم الدلائل إلى إخفاقها في التعاطي الإعلامي والدبلوماسي مع هذه الأزمة، بشكلٍ ربما يذيقها من ذات الكأس الذي اعتادت أن تسقيه لدولٍ عديدة حول العالم؛ عبر ترسانة وسائل إعلامها، التي كانت حتى وقتٍ قريب تُمارس أنشطة التأثير والشيطنة المسيّسة على مَن تشاء، دون أدنى منافسة تُذكر.

إن من سخرية القدر - وربما محاسنه - أن تساهم تكنولوجيا الإعلام الجديد (الأمريكية الصنع)، ومنها شبكات التواصل الاجتماعي، في منح الناس ذاكرة أعمق وأكثر قدرة؛ على رؤية واسترجاع الحقائق والأحداث الغابرة، وربطها بما يجري اليوم، ومن ثم تداول ونشر آرائهم وقناعاتهم حيالها.. ومن ضمن تلك الآراء المتداولة حول ما يجري في أوكرانيا، يمكن بوضوح ملاحظة درجة غير مسبوقة من عدم الرضا عن الموقف الأمريكي والغربي عموماً، يصل لدرجة الصدمة لدى الكثيرين، مما يمكن وصفه بالتناقض، وازدواجية المعايير، ولي عنق الحقائق.. وللتوضيح، فإن هذه الآراء لا تعني بالضرورة انحيازاً للجانب الروسي في غزوهِ لأوكرانيا، فهذا الغزو لا يمكن ولا ينبغي لمنصف قبوله أو تبريره أو التعاطف معه، ولو بأدنى الدرجات.


ولعل أكثر التناقضات والأخطاء الغربية فداحةً بهذا الشأن، هو استخدامها لأسلوب «الحرب بالوكالة» مع روسيا، عبر تشجيع خروج أوكرانيا عن الحياد، وهو أمرٌ حذَّر منه بشدة عام 2014 وزير الخارجية الأمريكي الأسبق «كيسنجر»، داعيا إلى «عدم تحويل أوكرانيا لقاعدة أمامية للشرق في مواجهة الغرب أو العكس، بل العمل على جعلها جسراً بين الطرفين»، كما رفضه السيناتور «بيرني ساندرز» وتساءل قائلا: «ماذا سيكون موقف الكونجرس لو قررت المكسيك أو كوبا أو أي دولة أخرى في أمريكا الوسطى أو اللاتينية عقد تحالفات عسكرية مع أحد خصوم أمريكا؟».. ولا زالت أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 وموقف أمريكا الصارم منها ماثلاً في ذاكرة الجميع.

تناقضات الغرب خلال الأزمة الأوكرانية لم تقتصر على المواقف السياسية التي تتعارض مع مواقفهم السابقة في دولٍ أخرى مثل: العراق وسوريا، وليبيا وأفغانستان وغيرها، بل امتدت بشكلٍ صارخ وصادم يتناقض مع كل ما يُنادون بهِ من قِيَم ومبادئ تتعلق بحقوق الإنسان، ونبذ العنصرية، وإنسانية الثقافة وحيادية الرياضة، وحرية الإعلام، وتسامح وعالمية الفنون.. فخلال هذه الأزمة حلل الغرب ومؤسساته نحر كل تلك القِيَم من الوريد للوريد.


في عام 2017 تراجعت الولايات المتحدة من المرتبة الأولى إلى المرتبة السادسة في مؤشر NBI لقياس سمعة الدول، وفي عام 2020 حلَّت في المرتبة العاشرة، فأين سينتهي المطاف بسمعتها بعد أن تضع الحرب في أوكرانيا أوزارها؟.

أخبار ذات صلة

التحريض على الفسق والفجور
أبلة زهرة.. ومدرسة «الفتاة»
العناية بالمواهب عبر التاريخ
أبناؤنا.. والإنترنت المظلمة!
;
ذاكرة المطوفات.. ‏إضاءات تاريخية مشرقة
مقرر الكتابة الوظيفية والإبداعية.. مهلًا!
محمد بن سلمان.. و «رؤية 2030»
رسائل مزعجة جداً!!
;
قبسات من رأس المال الاجتماعي.. والأسوة الحسنة
المملكة تعيد رسم خريطة التكامل الاقتصادي مع العراق
تعرَّف على نفسك !!
إيجاري.. والحاجة للتطوير
;
معكوســــــــة
الحوكمة في الأزمات
الزي الوطني.. هوية الأمة وعنوان حضارتها
لصوص (المساجد).!