لينكولن: الفيلم والتاريخ

انتهيتُ -قبل دقائق من كتابة هذا المقال- من مشاهدة الفيلم الشهير (لينكولن)، الذي حصد -حين صدوره عام 2012م- موجةَ إعجاب هائلة أهّلته للفوز بعددٍ ضخم من الجوائز العالمية. وهذه بالطبع لم تكن المرة الأولى التي أشاهد فيها هذا العمل الأخَّاذ، فقد شاهدته عدة مرات حتى الآن، كان أولها حين صدر حديثاً في السينما؛ حيثُ وجدتُ نفسي أذهب ليومين متتاليين لأشاهدَ الفيلم ذاته، باللهفة ذاتها والدهشة ذاتها..!! لابد أن أذكّر هنا -بمزيدٍ من الحزن- أن السينما التي أتحدَّث عنها هنا، تقبع خارج المملكة، فليس لدينا دور سينما هنا كما تعلمون جميعاً؟.. ولا أعلم لماذا ليس لدينا دور سينما؟! ولعلكم –مثلي- لا تعلمون؟!.

كما أنني لا أعلم لماذا أصرّ على إعادة مشاهدة فيلم (لينكولن) هذا، كلما قامت قناة تلفزيونية بعرضه؛ قد يكون الحدثُ التاريخي الهامُ الذي تدور في فلكه أحداث الفيلم، حيث مرت الحضارة الأمريكية بمنعطف حرج وخطير بين إلغاء العبودية والحرب الأهلية المرعبة التي حصدت أرواح مئات الألوف، وهو ما وضع كثيراً من قِيَم تلك الأمة تحت مبضعيْ الشك والتساؤل.


وقد يكون السبب وراء تعلّقي بالعمل، تلك المشاهد التي تصور اجتماعات ممثلي الأحزاب تحت قبة البرلمان، للمناقشة والمناظرة حول شؤؤون الدولة والمجتمع، وللتصويت على القرارات المصيرية التي ترسم المستقبل للشعب الأمريكي. ولأن القضية تمس أبعاداً اقتصادية واجتماعية مهمة وحساسة جداً فقد بلغ التوتر مبلغه خلال تلك الحقبة، وقد ترك ذلك أثره على اجتماعات القبة الديمقراطية دوماً، إلا أن الحماسة والجدل والاختلاف الحاد في وجهات النظر لم تمنع الممارسة الديمقراطية من أن تأخذ مجراها، لتصل إلى نتيجة تاريخية تركتْ أثرها على البشرية جمعاء.. يُصوِّر الفيلم بنجاحٍ مبهر كيف تكون أدواتُ الديمقراطيةِ فرصة لنجاة الإنسان، حيث الحريةُ في إبداء الرأي، والحوارُ المتحضر، وحقُّ الناس في التصويت والاختيار كانت العلاماتِ التي هَدَتِ الناسَ في طريقٍ حالكةِ الظلمة.

وقد تكون شخصية لينكولن خلف إعجابي الشديد بالفيلم؛ أعني الشخصية الحقيقية، رغم أن أداء دانيل دي لويس كان أسطورياً، جعله يستحق الأوسكار دون منافس، كما جعله يصبح نموذجاً فنياً لأداء الشخصيات التاريخية في السينما والمسرح. لكن شخصية لينكولن، الرئيس الأمريكي السادس عشر، كانت ملهماً حقيقياً للفنان ولغيره؛ فلولا إيمانه بالقيم الإنسانية العليا، ولولا نظرته الثاقبة، وعزيمته الحديدية لما استطاع أن يصنع التاريخ، ويكون علامةً بارزة فيه.


نعم..

استطاع متطرفٌ تعيسٌ اغتيال إبراهام لينكولن.. كان هذا المتطرفُ، الذي لا يعلم التاريخ عنه غير أنه وُجد مقتولاً في حظيرة، ينتقم لقضية خاسرة. لم يدركْ عقله الضيقُ أن الأمرَ لم يكن أبداً حول «شخصِ» لينكولن.. لذلك لم يغيرْ موتُ الرئيس شيئاً في التاريخ الذي ساهم في صنعه.. وهذه إحدى الرسائل التي يوصلها هذا الفيلم الذي أدمنتُ عليه، منذ شاهدته للمرة الأولى.

أخبار ذات صلة

قبسات من رأس المال الاجتماعي.. والأسوة الحسنة
المملكة تعيد رسم خريطة التكامل الاقتصادي مع العراق
تعرَّف على نفسك !!
إيجاري.. والحاجة للتطوير
;
معكوســــــــة
الحوكمة في الأزمات
الزي الوطني.. هوية الأمة وعنوان حضارتها
لصوص (المساجد).!
;
سلالة النبيِّ هارون..!!
أنا ونحنُ.. وآخرون
تناقص معدلات الإنجاب حول العالم!
المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية
;
رؤية السعودية.. رحلة تنموية ومستهدفات فائقة الجودة
الجامعات السعودية وتقرير رؤية 2030
المخالفات المرورية.. ومحدودو الدخل
«فيوز القلب» بعد صلاة الفجر..!!