بين التفاصيل هناك تفاصيل

رزينة مرتبة في تفاصيلها، شوارعها مضيافة وتعج بضيوفها من كل فج وصوب ورائحة القهوة والبخور بوصلتها ووجهة المسافرين، في روحها عبق النبوة والتابعين، آمنة مطمئنة نائمة وفِي جوفها صغارها تحيطهم بالمحبة والود، من في حنانها يضاهيها وفي أمنها يجابهها، هذه البلاد بلاد العزة والكرامة، هذه الأرض التي ثارت ثائرة الأولين عليها منبع الإسلام والفتح المبين أرض السلام.

أعظم ذكرياتها كانت أصوات الأطفال وضجيجهم بينما يلعبون ورائحة القهوة التي تكسو الشوارع، جمعات الأهل ورائحة خبزها المستدير، ورجال أمنها الذين يزينون شوارعها فلا تلوح أياديهم إلا بالسلام ولا تتناثر من أفواههم سوى البسمات، كانت كفيلة بإحياء الأمل والطمأنينة في نفوسنا بينما نتجرع الحزن والفجيعة أمام شاشات التلفاز ونحن نشاهد الحروب والمجاعات والأطفال المشردة والأرامل والكهلة، كانت أعظم مصائبنا ما تبثه لنا تلك القنوات وكأن لهم عالماً ولنا آخر، لم نكن نعلم بتلك الأيادي المهترئة والأعين المشؤومة التي تستكثر علينا تلك النعم التي حبانا الله بها، لم نكن نعلم أن بالجوار تصنع الأفاعي سموماً وأن الصديق الذي بالأمس أقبل مصافحاً ماهو إلا عين الشيطان وروحه الدنيئة، لم يكن بالحسبان أن نكون مطمعاً لقبح البعض ممن سولت له نفسه الضعيفة.

استوقفني اليوم مشهد رجال الأمن ووجوههم المتوجمة والحذرة متوسمين بأسلحتهم على أهبة الاستعداد في سبيل حفظ أمن بلادهم ودحر بؤر الشامتين والمتربصين مسطرين بذلك رسالة مهما اختلفت حروفها مفادها واحد: هذه البلاد لا يليق بها سوى السلام والأمان ونحن وإن أزهقت أرواحنا في سبيلها فلا شيء يذكر أمام روحانيتها وعبق ماضيها وحاضرها والمستقبل.

علينا اليوم أن نفقه ما تعنيه الوحدة والتلاحم بعيداً عن الشعارات والهتافات العقيمة التي لا تجدي نفعاً عن طريق الالتزام بالقوانين والتحلي بالعزم في سبيل النهوض بالمجتمع والاستثمار الفكري والاقتصادي والتوعية في شتى مجالاته المختلفة لنعلن للعالم أجمع أن هذه البلاد ستبقى أرضاً خصبة معطاء ثرية، وقلعة حصينة في وجوه الأعداء تزداد كل يوم في قوتها وقوة مؤسساتها رغم أنوفهم.. فالحامي هو الله والخائن عليه غضب الله.