من يقرأ الصحف الورقية؟!

الصحف الورقية -بما في ذلك نسختها الإلكترونية- لاتزال هي عماد الخبر الموثوق والرأي الرصين والمصدر الأمين، ومع انفتاح الفضاء الإلكتروني على مصاريعه أصبح لكل فرد صحيفته الخاصة التي يُنشِئها ويقوم عليها كـ(الصحيفة الإلكترونية وتويتر وفيسبوك....) وغيرها من وسائط التواصل التي قدر ما هي للتواصل فقد أحدثت الكثير من التباعد. ولذا رأينا كيف أنه في فورة الانفتاح الإلكتروني الهائل هبط سقف مقروئية الصحف الورقية في ظل توالي ظهور الصحف الإلكترونية ووسائط التواصل الاجتماعي المختلفة، لكنَّ هذا الهبوط يظل نسبيًّا، ولا يعني نهاية الصحف الورقية أو موتها؛ إنما يعني ما يصاحب التحول -من مرحلة إلى مرحلة- من تغيرات وتمايز حتى ترسو الصحيفة على بر الأمان وتعاود سير رحلتها. بالعودة للسؤال التعجبي الماكر (من يقرأ الصحف؟!) فإن الإجابة عليه تأتي على شقين: الأول- تقرَؤُها فئة (قليلة جدًّا)، وهي الفئة التي أَلِفَت الصحف منذ مدة طويلة. لكننا لو توقفنا عند هذا الشق فهذا يعني أن زوال الصحف الورقية -وهي بهذه الحال- خير من بقائها، وهذا الذي يتمناه البعض؛ حين يتعمد عدم تفسير هذه الإجابة المخاتلة، في حين إن تفسيرها هو أن هذه الفئة (القليلة جدًّا) هي الفئة التي تقرأ الصحف الورقية في (شقها الورقي)، ومعلوم للجميع محدودية النسخ الورقية التي تدفع بها الصحف اليوم. أما الشق الأخير من الإجابة فيقول بأن قُراء الصحف الورقية كثيرون وربما هم في تزايد، غير أن هؤلاء القراء يختلفون عن القراء في الشق الأول بأن هؤلاء يقرَؤُون الصحف الورقية في نسختها الإلكترونية، وخاصة نسختها (pdf) التي تتصدر مواقع الصحف الورقية على تويتر وتثبِّتْها الصحف بشكل يومي، ويُنشئ القُراء لها قروبات خاصة ويتبادلونها. في فترة ماضية كانت الصحف تفاخر بأن عدد قرائها وصل المليون؛ عطفًا على نسب المبيعات وعدد قراء الصحيفة في كل أُسرة، واليوم حينما نعود إلى عدد متابعي الصحف عبر حساباتها على تويتر (فقط) نجدهم بمئات الآلاف، بل هم لدى بعض الصحف بالملايين، ولا أظن أحدًا سيتابع صحيفة دون أن يقرَأَها، وهو ما يعني تنامي مقروئية الصحف في شقها الإلكتروني ويعني أيضًا أن لكل مرحلة قراءها مهما اختلفت أو تغيرت وسيلة العرض. الذين يطرحون سؤال (من يقرأ الصحف؟!) بتعجب هم فئات: فئة حاولت أن تجد لأقلامها مكانًا في الصحف فلم تستطع، ربما لضعف أدواتها وربما لأسباب أخرى شللية وغيرها، وفئة كانت لها في الصحف مغانم كثيرة ثم لما تدنت مداخيل الصحف خرجت منها وهي ساخطة عليها، وفئة ظنت أن الصحف كانت تقوم على أسمائها وحدها وأنها متى ما غادرتها ستنهار أركانها ويُعلن الحداد عليها، وفئة ربما لم ترغب الخروج من الصحف ولكنها اضطُرت للخروج منها فانقلبت عليها. العامل المشترك بين هذه الفئات هو أنها تشمُت بالصحف أمام الملأ وتقرَؤُها في خلواتها، ولذا رأينا كيف غادرت بعض الأسماء المشهورة الصحف مخلفة وراءها غبارًا من الشماتة ثم عادت إليها من أضيق الأبواب، ورأينا أخيرًا من يؤكد في حوار متلفز معه على أن الصحف لم يعد يقرَؤُها أحد، ولم يكد يخفت صوته إلا ووجدناه متربعًا فيها، وآخر يرثي -عبر رسائل الجوال- حال الصحف ومن يكتب فيها ومن يقرؤها ثم يفاجئنا بطلَّته الميمونة فيها. بل رأينا من يسخر ممن يتابع الصحف الورقية بشقيها، وفي الوقت نفسه نراه يطير فرحًا بورود اسمه فيها ضمن إشارة لحدث ما، أو نتيجة مداخلة عاجلة معه، أو لخبر مقتضب عن مؤسسته. الحق الذي ينبغي أن يُقال هو أن الصحف الورقية لم تعد سيدة الساحة الإعلامية، وأن منافسيها في تنامٍ مستمر، وأن التفاوت بين الصحف الورقية حاصل وظاهر، وأن المحك في ذلك هو جودة (المحتوى) وتنوعه وتفرده، وأن الإعلام الإلكتروني اليوم هو اللاعب الحقيقي، وأن الصحيفة التي تعتني بالإعلام الرقمي ووسائط النشر الإلكتروني وتطوِّر نسختها الإلكترونية وتحدّثها باستمرار هي التي سيُكتب لها التميز وتحظى بالمقروئية وتضمن الاستمرارية ويُقبل عليها المعلن والمسوق وترتفع مداخيلها، وأن الصحيفة التي لا تعبأ بتلك المحكات لن يعبأ بها القارئ والذاكرة.

أخبار ذات صلة

قبسات من رأس المال الاجتماعي.. والأسوة الحسنة
المملكة تعيد رسم خريطة التكامل الاقتصادي مع العراق
تعرَّف على نفسك !!
إيجاري.. والحاجة للتطوير
;
معكوســــــــة
الحوكمة في الأزمات
الزي الوطني.. هوية الأمة وعنوان حضارتها
لصوص (المساجد).!
;
سلالة النبيِّ هارون..!!
أنا ونحنُ.. وآخرون
تناقص معدلات الإنجاب حول العالم!
المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية
;
رؤية السعودية.. رحلة تنموية ومستهدفات فائقة الجودة
الجامعات السعودية وتقرير رؤية 2030
المخالفات المرورية.. ومحدودو الدخل
«فيوز القلب» بعد صلاة الفجر..!!