كتاب

الثوَّار.. تاريخ تتجاذبه الخيانة والشرف

تُعد ثورة الجياع -بحسب ويكيبيديا- هي أول ثورة في التاريخ؛ (فقد قامت في عهد الملك بيبي الثاني بعد تفشي حالة الفقر والمجاعة لدى المصريين)، ومن حينها تتابعت الثورات التي أخذت أشكالاً مختلفة في مبرراتها وأهدافها وغاياتها وحجم المنضوين تحتها ومدة بقائها ونتائجها المترتبة عليها سلبًا أو إيجابًا. الثورة تعني الخروج على الوضع السائد في محاولة لتغييره، والثوار جمع (ثائر)، والثائر هو الذي لا يقبل بالحال السائدة التي يراها -من منظوره- كارثية ويرى أنه يتوجب عليه العمل على تغييرها وربما كانت نيته تحقيق مصالح ذاتية -وهو الغالب- أو تحقيق مصالح جماعية. ما يهمنا في هذا الأمر هو أنه (لم ولن) يتواطأ الجميع على توصيف واحد -سلبًا أو إيجابًا- للثوار؛ فالمستفيد من الثوار سَيُلبسهم لبوس الكرامة والشجاعة وأنواط الشرف؛ كونهم أزاحوا خصمه وقدموا له الغنيمة على طبق من ذهب، في المقابل يأتي المتضرر منهم ليصمهم بالخونة والعملاء وبأشنع ما تحمله اللغة من مفردات الشماتة والازدراء.. ما يهمنا أكثر أن هناك أصواتًا مازالت تتعاطف مع الثوار وثوراتهم عبر التاريخ -فردية كانت تلك الثورات أو جماعية- وما زالت تصنع منهم رموزًا للشرف والإباء، ومعلوم من الشريعة أن الخروج على الحاكم شر لا خير فيه، وأن الحاكم وإن وقعت منه مظلمة فعلى الرعية أن تصبر وتناصحه بالحسنى؛ إذ لا خير يُرجى من انفلات زمام الأمور والفوضى واختلال الأمن، ما لم ترَ الرعيةُ من الحاكم (كُفرًا بَواحًا). ولا أدري -في ظل هذا التعاطف والاحتفاء بالثوار عبر التاريخ- كيف يوفِّق الشاب العربي المسلم اليوم بين نصوص شرعية تُحرم الخروجَ عن الجماعة ونزعَ اليد من الطاعة وتحذر من القيام بما يخل بالأمن ويفكك اللُّحمة، وبين ما يقرَؤُه من احتفاء ظاهر بأسماء فردية وكُتَل جماعية -إسلامية وغير إسلامية- مارست الخروج على الحاكم ونقضت العهد ولكنها اليوم تُلبس -من قبل البعض وربما بحُسن نية- حُلل الكرامة وأنواط الشجاعة، وربما تساءل: أليس في هذا شقٌّ لعصا الطاعة ومنابذة لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من الطاعة ولزوم الجماعة وعدم الخروج حتى وإن كانت هناك بعضُ المظالم أو خلل في العدالة؟ ولذا يأتي العجب ممن يبرر للثوار الذين ثاروا على سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه وقتلوه تحت حجج واهية، فزرعوا في المسلمين فتنة لا تزال قائمة حتى اليوم، ويأتي العجب ممن يمتدح عصيان ابن نوح عليه السلام لأبيه وعدم ركوبه معه ويُثني على قراره، مبررًا ذلك بأنه خروج على السائد وتفكير خارج الصندوق الجمعي. امتداح الثوار والخارجين على اللحمة -داخل محيطنا العربي الإسلامي أو خارجه- له انعكاساته السلبية على وعي الشباب الذي يقع في حيرة واضطراب بين عبارات الثناء على الثوار عبر التاريخ -قديمًا وحديثًا- وبين ما هو متقرر لديه من تحريم قاطع للخروج ونزع اليد من الطاعة، خصوصًا وقد ترسخ لديه أن الحُكم الشرعي واحد لا يمكن تبديله أو تحويره مهما تبدلت الظروف والأحوال.. وبما أنه حريٌّ بمدمن القرع للأبواب أن يلجا، فالخشية من أنَّ كيل عبارات الثناء على الثوار -أفرادًا وجماعاتٍ- قد يفتح في أذهان الشباب العربي أبوابًا كانت موصدة؛ فيتخذون من هذا الثناء حجة ومبررًا لممارسة نزواتهم؛ طمعًا في أن يصبحوا شرفاء وقادةَ تغيير أو أئمة عدالة أو رموز تنوير في مجتمعاتهم، ثم إن الظن بأن في تلك الممارسات ما يمكن أن يستفاد منه إنما هو من باب بعث تلك الممارسات الثورية من مرقدها لتكرر نفسها اليوم. وعليه فإن الاحتفاء بالثوار -أفرادًا وجماعات- وإن كان بحسن نية ففيه إذكاءٌ لروح الخروج عن الطاعة وتبريرٌ لممارسات أولئك الثوار الذين لم يقيموا للنصوص الشرعية وزنًا، وهي النصوص التي لا تختص بزمان أو مكان؛ فحكمها ثابت تحت أي ظرف كان، وإنْ تجاسر أولئك الثوار وخرجوا عليها فليس من المنطق الاحتفاء بخروجهم ما يعني التبرير للأجيال الحاضرة بتكرار تلك الممارسات.. على هذا فالأَولى أن يُغلق هذا الباب كليًّا مهما كانت المبررات؛ كي لا يقع الشباب في اضطراب المفاهيم، وحتى تترسخ لدى الجميع أهمية اللحمة والأُلفة والجماعة، وأمَّا ما كان من أمر أولئك الثوار فإنما هو من الماضي الذي لا يجلب اجترارُه نفعًا ولا يدفع ضرًّا.

أخبار ذات صلة

قبسات من رأس المال الاجتماعي.. والأسوة الحسنة
المملكة تعيد رسم خريطة التكامل الاقتصادي مع العراق
تعرَّف على نفسك !!
إيجاري.. والحاجة للتطوير
;
معكوســــــــة
الحوكمة في الأزمات
الزي الوطني.. هوية الأمة وعنوان حضارتها
لصوص (المساجد).!
;
سلالة النبيِّ هارون..!!
أنا ونحنُ.. وآخرون
تناقص معدلات الإنجاب حول العالم!
المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية
;
رؤية السعودية.. رحلة تنموية ومستهدفات فائقة الجودة
الجامعات السعودية وتقرير رؤية 2030
المخالفات المرورية.. ومحدودو الدخل
«فيوز القلب» بعد صلاة الفجر..!!