الحكمُ الجائرُ في مدحِ الغائبِ وذمِّ الحاضرِ

لَا يَكفي أَنْ نَقرَأ المَقولات ونَتدبَّر الخِطَابَات، بَل عَلينَا أَنْ نَسعَى إلَى تَفكيكهَا، واستِظْهَار بَاطنها، والتَّعامُل مَعها بريبةٍ وسُوء ظَنٍّ؛ وضَغينَة، وعَين حَمرَاء، فمَثلاً إذَا قَال لَكَ أَحدُهم: «أنتَ أَحسَن إخوَتك»، فلَا تَظنُّ نَفسك أَفضلهم، لأنَّ أَفضليَّتك قَائِمَة عَلى شَتم إخوَانك، وإظهَار رَدَاءتهم..!

أكثَر مِن ذَلك، تَجلس مَع أَحَد الخُبثَاء فيَقول لَك: «مَقَالَاتك لَا تعجبنِي»، بَل أَنَا مُعجَب بكِتَابَات فُلان الفُلَاني.. وإذَا جَلسَ مَع فُلان الفُلاني قَالَ لَه: «مَقَالاتك ضَعيفة، وأَنَا مُعجَب بفُلان الفُلاني -أَي يَقصدك أَنتَ-»، وهَكَذا يُمَارس الإغَاظَة، ويَلعب دور المُحطِّم لكُلِّ شَخص أَمَامه، مِن خِلال مَدح الغَائِب، وذَمِّ الشَّخص الحَاضِر.. هَذا الأسلُوب شَائعٌ بَين النَّاس، وخَاصَّة فِي الطَّبقَة المُثقَّفَة..!


لقَد أُعجبتُ بالأُستَاذ «جلال أمين»، حِين اعتَرَفَ بأنَّه مَارس فِي مُراهقته مَدح الغَائِب؛ مِن أَجل إغَاظة الحَاضِر، أَمَّا الغَائِب فهو «طه حسين»، والحَاضِر كَان وَالده الأَديب الكَبير «أحمد أمين»، حَيثُ يَقول فِي الصَّفحَة 18 مِن كِتَابه «هَكَذا عَلَّمتني الحيَاة»: (كَانت دَهشتي كَبيرة -بوَجهٍ خَاص- مِن أَنِّي لَم أَكتَشف مِن قَبل رَوعة كِتَاب أَبِي: «حيَاتي»، وأَنِّي كُنتُ سَخيفًا -غَايَة السَّخَافَة- وأنَا فِي الخَامِسَة عَشرَة مِن عُمري، عِندَما كَان أَبي يُملي عَليَّ بَعض فصُول هَذا الكِتَاب، بسَبَب ضُعف بَصره، واعتمَاده عَلى الإملَاء، بَدلاً مِن الكِتَابة بيَده، فقَد كَانت إجَابتي؛ عِندَما سَألني عَن رَأيي فِيمَا أَملَاه عَليَّ، أَنِّي أُفضِّل عَليه كِتَاب «الأيَّام» لـ»طه حسين»!، إجَابة مُراهق سَخيف، يُريد فَقَط أَنْ يَتحدَّى أَبَاه)..!

حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!


بَقي القَول: يَا قَوم، هَيَّا بِنَا -أَنتُم وأَنَا- نُنظِّف قلُوبنَا وضَمَائرنَا وعقُولنَا، ونَقول للمُحسن أَحسَنْتَ وأَجدَتَ، خَاصَّة وأَنَّنا -فِي أَكثَر الأحيَان- لَا نَستَطيع أَنْ نَقول للمُسيء «أَنتَ أَسَأت»..!!

أخبار ذات صلة

أمير الشرقية يلتقي الكُتّاب
فيضٌ عاطر من صيد الخاطر
رصـــــــاص
متى تتوفَّر مصادر التمويل؟!
;
إسرائيل: كلب مجنون بدون أسنان
عسير.. أيقونة المصايف وعروس السياحة
الذهب الوردي السائل في المملكة
شارع سلطانة!!
;
الطبيب (سعودي).!
حين تغيب الرقابة ٣ مرَّات..!!
العالم المصري (مشرفة).. اينشتاين العرب!!
الأخلاقُ.. كائنٌ حيٌّ!
;
500 مليون دولار.. للقضاء على مرض شلل الأطفال
القصيدة الوطنية.. بدر بن عبدالمحسن
محمد بن سلمان.. القائد الاستثنائي ومنجزات وطن
الربيعة.. وشفافية الوزارة