مشّيني ولا تعشّيني !!

عَلَاقتي بالمَشي عَلَاقَة تَمشي عَلَى الغَرَابَة، وتَسير عَلى بُسَاط الصُّدفَة.. إنَّها عَلَاقة بَدَأَت مُنذ أَيَّام الطّفُولَة وخيَالَاتهَا التي لَا تَنتَهي..!

كُنَّا أَطفَالًا نَعيش فِي المَدينَة المُنيرَة، وكَان جَارنا العَمّ «حَمزة» لَديه سيَّارة «وَانيت»، أَو «عراوي»، أَو «حوض»، عَلى مُختَلف الأَسمَاء، وكَان «يَترزَّق الله» بوَاسطة هَذه الدَّابَة.. إلَى هُنَا لَيس فِي الأَمر غَرَابَة، ولَكن الغَرَابَة أَنَّه كَتَبَ عَلى مُؤخِّرة سيَّارته بَيتٌ شِعري سَهل يَقول:


عَلَى كَفِّ القَدَر نَمشِي

وَلَا نَدري عَن المَكتُوب!


تَأمَّلوا طِفلًا فِي السَّابعةِ مِن عُمرهِ، يَقف حَائِرًا أَمَام المَعَانِي البَلاغيَّة فِي هَذه التَّشبيهَات.. سأَكون صَادِقًا وأَقول: كُنتُ أَقف خَلف السيَّارة، وأَتأمَّل البَيت حَائِرًا، وأَقف كَمَا وَقف حِمَار الشّيخ فِي العَتبَة، مُتسَائِلًا «مَع نَفسي»: هَل القَدَرُ رَجُل لَه كَفٌّ ونَمشِي عَليهَا؟، وهَل السيَّارة هي التي تَسير، أَم نَحنُ مَن يُسيّرهَا..؟!

كُنتُ أَطرَح الأَسئِلَة كُلَّها عَلى الشّطر الأَوَّل: «عَلَى كَفِّ القَدَر نَمشِي»، أَمَّا عِبَارة: «ولَا نَدري عَن المَكتُوب»، فكَانت صَعبة النَّوَال، مُستحيلة المَنَال، وحِين سَألتُ أُمِّي «لولوة العجلان» -حَفظهَا الله- عَن المَكتُوب؟، قَالت: «إنَّه مَا كَتبه الله لَنَا»، وكَانت هَذه الإجَابَة وَرطَة لِي، لأنَّها فَتحت الكَثير مِن الأَسئِلَة: مَاذا كُتب؟، وكَيف كُتب؟، ومَن الذي كَتبه؟، وهَل نَستَطيع أَنْ نُغيِّر المَكتوب؟، حِينهَا تَجَاهَلَتْ أُمِّي الأَسئِلَة، وقَالت: «جَاء وَقتُ الغَدَاء». لأنَّها تَعرف أَن أَقصَر الطُّرق إلَى قَلب اليَتيم، هو تَسليته بلُقيمَات مِن الطَّعَام..!

ومُنذ ذَلك الوَقت، تَبَادلتُ الحُبّ مَع المَشي، فصَار يُحبّني وأُحبّه، واستمرَّت عَلَاقة العِشق مِن طَرفين، أَنَا مُتمسِّك بِهِ، وهو مُتمسِّك بِي، لأنَّ العَرب تَقول: (مَن تَرك المَشْيَ تَركه المَشْيُ)..!

إنَّ المَشيَ كالفَتَاة الأَبيَّة عَزيزة النَّفس، تَهجر مَن يَهجرها، لذَلك حَافظتُ عَلى المَشْي فِي الحَضَر والسَّفَر، وكَبُر مَعي، وكَبُرت الأَسئِلَة، حَتَّى صَار مَوضوع المَشْي هو الذي أَقصده؛ حِين أُردِّد أُغنية: «لَمَا يِجيبُوا سِيرتك يَحلوّ الكَلَام»..!

حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!

بَقي أَنْ أَقول: لقَد أَصبَحَت مَوضوعَات المَشْي؛ مِن أَحبِّ المَوضوعَات إلَى النَّفس، أُتَابعه هُنَا وهُنَاك، وآخَر مَا أَطرَبني، كِتَابَة فَاخِرة للبَاحث المَغربي السَّاحِر «عبدالسلام بن عبدالعالي»، بَدأهَا بعِبَارة (أَوَّل المَشي فَلسفة)، وخَتمهَا بجُملة: (عِندَمَا أَمشي فإنَّ جَسدي يَحسّ ويَنضَوي ويُفكِّر)..!!

أخبار ذات صلة

قبسات من رأس المال الاجتماعي.. والأسوة الحسنة
المملكة تعيد رسم خريطة التكامل الاقتصادي مع العراق
تعرَّف على نفسك !!
إيجاري.. والحاجة للتطوير
;
معكوســــــــة
الحوكمة في الأزمات
الزي الوطني.. هوية الأمة وعنوان حضارتها
لصوص (المساجد).!
;
سلالة النبيِّ هارون..!!
أنا ونحنُ.. وآخرون
تناقص معدلات الإنجاب حول العالم!
المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية
;
رؤية السعودية.. رحلة تنموية ومستهدفات فائقة الجودة
الجامعات السعودية وتقرير رؤية 2030
المخالفات المرورية.. ومحدودو الدخل
«فيوز القلب» بعد صلاة الفجر..!!