كتاب

الحب ومراتبه.. كان زمان!

يقول الدكتور شوقي ضيف -أحمد شوقي عبدالسلام ضيف 13 يناير 1910 2005م- في تقديم كتابه «الحب العذري عند العرب»: إن ما دفعه إلى جمع قصص الحب من كتاب الأغاني، وغيره من الكتب، هو إقبال الشباب على قراءة قصص الحب، وأنهم لا يُفرِّقون بين: «الجيد الذي يسمو بالأحاسيس والمشاعر، والرديء الذي تطغى فيه الغرائز، وتجمح فيه الأهواء والعواطف في غير تردد ولا خجل».

الكتاب يُؤرِّخ لقصص الحب العذري، عندما كان العاشق يلتقي بمحبوبته في مضارب القبيلة، أو في المرعى، أو عند البئر، فيُحدِّثها ويُنشدها الشعر، لكنه يحرم من الارتباط بها، لأنه ذكرها في شعره، أي شبب بها!، حرمان العاشق من محبوبته يذهب بعقلهِ أو يُورده الهلاك، كمجنون ليلى، وغيره من العشَّاق الذين اشتهروا بالحب العذري في العصر الجاهلي، وربما عصور أخرى، كذلك يذكر عدد من الأسماء التي لم تشتهر؛ رغم انتمائهم إلى هؤلاء العشَّاق المحرومين من الوصال لأي سببٍ من الأسباب التي تُباعد بين العاشقين!»


أورد «ضيف» العديد من قصص الحب العذري، في مقدمتها ما شاع وانتشر، كقصص، «قيس بن الملوح وليلى العامرية، جميل بثينة، قيس بن ذريح ولبنى، كثير عزة، توبة وليلى الأخيلية»، وقصص لم تنتشر وتشتهر رغم حضورها في كتب التراث، مثل: «الصمة وريا، مالك وظريفة، بن عمار الناسك وسلامة، ذو الرمة ومية، العباس بن الأحنف وفوز».

رأى الدكتور «شوقي ضيف» في استعراضه لهذه القصص، التي: «تحوَّلت في بعض جوانبها إلى ضربٍ من التصوُّف المجرَّد من قيود المادة والحس»، بأنها: «مثل أعلى في الحب، وغذاء روحي يرتفع بهم عن صغائر الحياة»، أي بالأجيال المعاصرة.


ربما جيلي والأجيال اللاحقة لا يزالون يتذكَّرون تلك القصص، وربما يُعاودون قراءتها مرَّة ومرَّات، وربما الجيل الذي كتب له «شوقي ضيف»، لكن أجيال الإنترنت ومشاهير السناب، واليوتيوبر، والتيك توك، وغيرها من وسائل الجذب والتواصل والتعارف، ربما لا يعرفون مجنون ليلى، ولا قصته، وسبب جنونه، ربما يعتبرون تلك القصص من الأساطير، هذا إذا سمعوا بها!.

في تعريفه للحب، يُورد أجزاء من التعريفات التي وردت في المحاورة المشهورة لأفلاطون أو «المأدبة»، والتي جرى فيها الحوار بين سقراط وبين بعض معاصريه من الفلاسفة والأطباء والشعراء والسوفسطائيين، والتي تُصوِّر مذهب سقراط في الحب.

ويُورد تعريفات الحب لمحمد بن داوود الظاهري، في كتابه عن الحب: «الزهرة»، وتعريف ابن سينا في رسالته للعشق، كذلك ما ورد في كتاب «طوق الحمامة» لابن حزم الأندلسي، وجاء فيه: «الحب اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة في هذه الخلقة في أصل عنصرها الرفيع.. وأن هذه الأجزاء تتصل فيكون الحب، وتنفصل فيكون البغض».

أي أن سر الحب والبغض في المخلوقات؛ هو الاتصال والانفصال بين النفوس! وللحب عند العرب منازل ومراتب متعددة، وأول مراتبه الهوى، وهو الميل إلى المحبوب، ثم الشوق، والحنين، ثم يأتي الحب أول الألفة، ثم الشغف، ثم التمنِّي، ويليه الغرام، ثم العشق، وهو الإفراط في الحب، ثم التتيّم.

يأتي الحب متوسطا بين المراتب، ونحن نؤكد على الحب من أول نظرة، والأمر عند العرب ليس كذلك، ربما في عصرنا عصر السرعة، وكل شيء أصبح فيه خاطفًا غير مستقر، يتم تجاوز المراحل السابقة واللاحقة، لذلك لا نجد عاشقا خُلِّد ذِكره، كما خُلِّدت أسماء وقصص مَن أوردتُ ذِكرهم في هذه المقالة، بل لم يعد ذلك العشق عشقاً، بل حُبًّا حسيًّا، عندما يرتوي منه بالقليل؛ يتوارى ويندثر رسمه وكسمه، إلا القليل ممَّن أَحَبَّ بعمق، وأخلص لهذا الحب!.

أخبار ذات صلة

قبسات من رأس المال الاجتماعي.. والأسوة الحسنة
المملكة تعيد رسم خريطة التكامل الاقتصادي مع العراق
تعرَّف على نفسك !!
إيجاري.. والحاجة للتطوير
;
معكوســــــــة
الحوكمة في الأزمات
الزي الوطني.. هوية الأمة وعنوان حضارتها
لصوص (المساجد).!
;
سلالة النبيِّ هارون..!!
أنا ونحنُ.. وآخرون
تناقص معدلات الإنجاب حول العالم!
المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية
;
رؤية السعودية.. رحلة تنموية ومستهدفات فائقة الجودة
الجامعات السعودية وتقرير رؤية 2030
المخالفات المرورية.. ومحدودو الدخل
«فيوز القلب» بعد صلاة الفجر..!!