تربية الذوق العام

تهتم دول العالم بفنونها لأنها تعتبر عنوان الحضارة للأمم ورسالة نحو رقي الأخلاق والمشاعر وتسهم في تهذيب الذوق العام وصقله لدى الإنسان المتلقي، لأن الفن هو الجمال والإقبال عليه يسمو بالإنسان إلى القيم الإنسانية النبيلة، والجميع يدرك مدى تأثير الفنون على عقلية ووجدان الشعوب، وخاصة بين الأطفال والشباب، فالفنون يمكنها أن تؤثر على مجتمعات بأكملها، وتحدث ثورة في رفاهيتها، وطريقة حياتها، بجانب القيم وتغيير مسار تاريخها عبر المكان والزمان، وبالتالي انعكاس أثر الفن على الفرد والمجتمع بأكمله.

وفي بلادنا الغالية لم نكن نحلم كمهتمين بالفنون أن نصل إلى ما نصبو إليه، وأن نستطيع ممارسة شتى أنواع الفنون من غير تردد، ولكن كل ذلك قد تحقق ولله الحمد في ظل اهتمام ودعم خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين -يحفظهما الله- فخلال فترة قصيرة شهدت بلادنا الغالية حراكًا فنيًا وثقافيًا يشار له بالبنان، وذلك مواكبة وضمن مرتكزات رؤية 2030، وباهتمام مباشر من هيئة الترفيه التي سعت وبكل جدارة على تنظيم مختلف الأنشطة الفنية التي نالت استحسان الجمهور السعودي المتذوق والزائرين السواح من خارج الوطن.

أتمنى من الشركات الفنية الخاصة أن تكون رسالتها بضرورة العناية والتركيز في اختيار النوعية الجيدة وليست العشوائية، فجيلنا الآن في حالة تعطش لأي نوع من أنواع الفنون، فكثير من الدول تعاني من الفن العشوائي والهابط مما أثر ذلك على الذوق العام وانعكس أثره سلبًا على مجتمعهم، فنحن الآن في بداية الطريق الفني لتربية الذوق العام والاهتمام بالفنون الراقية.

كما أود أن أشير إلى نقطة مهمة وهي الأماكن العامة من مطاعم أو كافيهات وغيرها أصبحت للأسف تستقطب بعض مدّعي الفن الذين ليس لهم علاقة بالفن، فقط لمجرد أجورهم بسيطة، وهنا للأسف فإن كل ما يقدمونه أقرب ما يكون إلى التلوث السمعي الذي يؤثر على الذوق العام، فنحن الآن في مرحلة تربية الذوق العام وهو ما وجه به ولي العهد بإعطاء جانب الذوق العام كل الاهتمام والرعاية.

كما أود أن أشير أيضًا إلى جدية الاهتمام والدعم إلى إنشاء معاهد فنية خاصة تضمن لنا اكتشاف مواهب فنية قادرة على تقديم الفن الجيد بعيدًا عن الاخلال بالذوق العام، فنحن الآن في بداية الطريق وهو ما يتطلب منا المزيد من الاهتمام بالفن الراقي الذي يعزز الذوق العام، ولا سيما أن المملكة وطوال الفترة السابقة تعتبر من رواد الفن الأصيل في الخليج والعالم العربي بالرغم من القيود الفنية التي كانت سابقًا، لذا فإنه يحدوني الأمل أن نكرّس الاهتمام بتبني الفنون الراقية حتى يكون لدينا جيل خالي من أي عشوائيات فنية لا تليق بالذوق العام.