كتاب

التنقيب والحفر.. تحت بند الخصوصية!

لكل منَّا مجال ممغنط أو منطقة ملغومة لا يُمكن للآخرين الاقتراب منها أو اجتيازها، نخفي فيها ما هو جدير بالحفظ والكتمان، تلك المنطقة هي الخصوصية، أو الحائط الوهمي الذي تقيمه بينك وبين الآخرين، تستر به حياتك الخاصة، هي حقك الإنساني والاجتماعي والقانوني في حماية معلوماتك الشخصية، لذلك تعتبر الخصوصية منصتك الدفاعية، كي لا يتسلل الآخرون إلى نطاقك، ومعرفة تفاصيل حياتك.

بعض الأسئلة، تُشبه آلة حفر وتنقيب، تحفر تحت كل ما يدوّن في بند الخصوصية، وتنقب عن المستور تحت غطائها!.


الخصوصية تعني الستر، يعني الغطاء الذي تستر به كل حالاتك؛ الغنى والفقر، الصحة والمرض، الفرح والترح!.

أي أنك في كل الأحوال لديك ما تحب حجبه وإخفاءه عن الآخرين، لذلك تجد نفسك -أحيانا- تتخذ موقفا دفاعيا ضد من يحاول، مستميتا، كشف أغطيتك، وتخطي حائط الخصوصية، للتنقيب عما تحاول ستره عن الآخرين، من خلال استنطاقك حول أمور جرى العرف على تصنيفها ضمن الأمور الخاصة، التي لا يحق للآخرين استنطاقك حولها تحت أي بند من بنود المشاعر، كالتعاطف مثلا، أو لمجرد الاطمئنان عليك!.


سؤال يبدو وديا وطبيعيا حول حالتك الاجتماعية مثلا: هل أنت متزوج/ة؟، وأنت تجيب بمنتهى التلقائية والبساطة مثلا: لا، مطلق/ة، منفصل/ة، هنا تبدأ الأسئلة الثقيلة، ويبدأ موسم العواصف والصواعق والحجارة؛ أسئلة تتساقط على رأسك، وأنت تحاول صدها أو وقفها بإجابات مختصرة تعبر عن الرضى والستر، لكن هيهات، لن ترضي نزعة الفضول التي رسخت جذورها في عمق الآخر، الذي يريد الكشف عن كل ما يختبئ تحت غطاء الستر بصلافة وإصرار، ربما يخرجك أحيانا عن تلقائيتك وبساطتك؛ قبل أن يسحب الغطاء الأخير الذي تحاول الاختباء خلفه، فتحتد على مارد الفضول الخارج من قمقمه، وتغادر مجلسه، أو أنك ترد عليه بقسوة تصمته، وتضع لجاما على فضوله.

الأجوبة المختبئة تحت غطاء الستر، تعريك شيئا فشيئا دون أن تشعر أن غطاءك نزع أمام جليسك أو جلسائك، إلا عندما تغادر تلك الجلسة، وتسترجع كم من الأسرار الخاصة بحياتك أفشيتها رغما عنك، ماذا تفعل؟، كشف عنك غطاؤك، وتسللت النظرات إلى عمق المخبوء والمستور!.

يتعلم المرء من التجربة كيف يمسك جيدًا بغطاء الستر، تصبح رؤيته أوضح، وعزيمته أصلب، يتعلم ألا يسقط في الفخ، ولن يترك من يستنطق خصوصيته مجالا يتحرك فيه ليقتحم الدائرة الصغيرة التي تحيط به، يكتفي بغموض بريء يحتمي به من الأعين الوقحة التي تتابعه حتى داخل ذاته تنبش قبور جراحه.

ربما مر كثير منا بتجارب مريرة في مواجهة من يحاول اقتناص لحظة ضعف، يمر فيها المرء من نفق الألم، فيتسلل الآخر داخل نطاقه بدواعي المواساة والمساندة، ويبدأ الحفر داخل جراحه، ينزف الألم، في حالتي البوح أو الصمت! حتى في الفرح تبدأ الأسئلة، أين؟ كيف؟ كم؟ ومن أين؟! كل هذه الأسئلة آلة الحفر والتنقيب!.

ما الذي تحوّل فينا لتتبع خصوصيات الآخرين، وكشف غطاء سترهم؟، هل لأن حياتنا أصبحت على المكشوف؟، كل شيء بالصوت والصورة على وسائل التواصل الاجتماعي، ماذا أكلنا، وأين ذهبنا، ومتى نسافر، ومن فقدنا لحظة الفقد، هي التي كشفت غطاء الستر ونزعت الألغام من منطقتنا الخاصة، وسمحت للآخرين باجتيازها؟!.

هل نحن من أعطى للآخر حق معرفة تفاصيل حياتنا، واستنطاق خصوصيتنا، أم أن حمايتك لخصوصيتك بالصمت والكتمان تغري الآخرين بمعرفتها، والقبض عليك في جلسة استنطاق ربما تفطن لها مبكراً، وربما تنساق في سرد التفاصيل، وكشف كل المناطق المحمية بغطاء الستر من أجل إشباع رغبة الآخر الفضولية؟!.

أخبار ذات صلة

الأمن و(رجاله)..!
قصَّة غشٍّ في جامعة البترول..!!
استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب
المعهد الوطني لأبحاث الصحة في جامعة المؤسس
;
الهيئة الملكية بينبع ومنجزات خمسين عامًا
أول رئيس جامعة أهلية.. غير سعودي
الحزام.. والنفق المظلم
قلق الوجودية
;
قمة البحرين.. والشعب الأعزل
عندما تُخطئ.. لن تنفعك نواياك الطيبة
أمين كشميري.. الرَّجلُ المهذَّبُ
الأمن.. والفقر.. والفساد..!!
;
السيناتور وغزَّة.. والولد الصَّغير!!
عضوية فلسطين في هيئة الأمم.. أحقية قانونية
الحركة المرورية.. وأهل المدينة!!
الأعرابُ.. وردُّ الجوابِ..!