زمي زمي..!

الصحراءُ قاحلة، والصمت يرخي سدوله، والفراغ يهيمن على الوجود، وصوت الوجد يشق ستر السكون، يرتفع خاشعًا إلى السماء؛ فالقدمان كلتا من السير والهرولة بين الصفا والمروة، والقلب الأسير بالأمومة، يكاد يصبح كسيرًا!

لكن عين الله ترقب المشهد، ورحمته تضيء ظلمة الصمت، فيتدفق ماء زمزم تحت أقدام الأم الملتاعة، وتتدفق الصور في الأذهان والأخيلة على مر العصور والأزمنة، تقص الحدث الإلهي العظيم في الأرض المقدسة، تعظيمًا وتقديرًا لعظمة الأمومة وكرامة المرأة ومكانتها عند رب العالمين.


لا يزال تاريخ بيت الله العتيق، وماء زمزم، يوشيهما سحر المعجزة الإلهية والإنسانية؛ إبراهيم عليه السلام يترك زوجه وطفله في ذلك المكان القفر ويدير لهما الظهر ليمضي.

تناديه: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا؟ يمضي دون أن يقول شيئًا، واليقين يملأ صدره بأن الله لن يخلف وعده.


فتسأله وهي مدركة أن أمرًا يمنع زوجها من الرد عليها: أمرك الله بهذا؟

فيرد: نعم

فتقول: إذًا لن يضيعنا!

هذا اليقين يسكن قلبها وهي لا تعلم أن سيدنا إبراهيم عليه السلام، كان يدعو ربه مشفقًا: «ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فأجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وأرزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون) إبراهيم 37.

نفد الماء، ولا تجد الأم ما تروي به ظمأ صغيرها، وقد جف لبنها.. يتلوى الصغير جوعًا ويشق صراخه السكون، تردده الجبال في الصحراء، وقلب الأم يكاد ينفطر!

تسرع الأم تصعد جبل الصفا، تبحث عن أحد أو شيء ما، ينقذ صغيرها من الهلاك، لا تجد غير الصمت والفراغ، تنزل مسرعة تصعد جبل المروة، ولا تجد غير الصمت والفراغ، تفعل ذلك سبع مرات، حتى ينهكها التعب، لكن اليأس من رحمة الله ينأى عن قلبها المنهك..

يتفجر الماء بالقرب من صغيرها، تغرف منه وترويه، تدفق الماء لا يتوقف، فتقول للماء (زمي.. زمي) فسميت هذه العين، «زمزم»، تلك قصة هاجر أم سيدنا إسماعيل عليه السلام، نستعيدها كلما ارتشفنا ماء زمزم، أو هفنا الشوق لبيت الله الحرام، أو حين نسعى سعي هاجر بين الصفا والمروة، لتظل هذه المعجزة حاضرة في القلوب والأذهان والأبدان وهي تقوم بذات السعي الذي سعته ستنا هاجر.

كما عودنا أهلنا على تقديس الأسماء بعدم ذكرها مجردة، بل مسبوقة بما يليق بها، كما نخاطب الجد والجدة، بـ»ستي وسيدي»، كذلك مخاطبة الكبار رجالا ونساء، تقديرًا وإجلالاً، معذرة على هذا الاستطراد، بعد أن فقدت الأجيال ميزة التقدير للكبار.

هكذا تكلل أسماء النساء الأوائل، ستنا خديجة، ستنا عائشة، لزوجات الرسول رضي الله عنهن، وستنا مريم، وسيدتنا فاطمة رضي عنها ابنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وستنا هاجر.

غدًا يوم عرفة، لم تتوقف شعيرة الحج هذا العام رغم جائحة كورونا التي أوقفت نبض الحياه وجمدت الدماء في عروقها على مدى أشهر عديدة، إلا أن قيادتنا الرشيدة، جهدت بكل إمكانياتها وطاقتها ليقف الحجيج في عرفات، ويقوم بكل الشعائر ضمن الإجراءات الصحية الاحترازية حفاظًا على ضيوف الرحمن من جموح هذا الفيروس الشرس، رغم محدودية الأعداد إلا أن شعيرة الحج لن تخلُف المكان ولا الزمان.

حفظ الله خادم الحرمين الشريفين ومتعه بالصحة والعافية وحفظ ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، وحفظ الله هذا الوطن، وحجاج بيت الله الحرام.. حج مبرور وسعي مشكور، وعيدكم مبارك.

أخبار ذات صلة

قتل طفل لحساب الدَّارك ويب!!
ألا يستحون؟!
الخلايا الجذعية والحبل الشوكي
أقمار من خشب!!
;
هُويتنا وقيمنا وأخلاقياتنا العربية والإسلامية.. في خطر
رجع الصدى
لا شيء في الضوضاء.. غير وجهك يا معطاني!
القمع من المهد إلى اللحد!!
;
رحم الله معالي الدكتور عبدالله المعطاني
التحريض على الفسق والفجور
أبلة زهرة.. ومدرسة «الفتاة»
العناية بالمواهب عبر التاريخ
;
أبناؤنا.. والإنترنت المظلمة!
ذاكرة المطوفات.. ‏إضاءات تاريخية مشرقة
مقرر الكتابة الوظيفية والإبداعية.. مهلًا!
محمد بن سلمان.. و «رؤية 2030»